فلما كانت الليلة ٢٧٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عبد الله بن أبي قلابة قال: فنزلت عن ناقتي وعقلتها، ثم سليت نفسي ودخلت البلد ودنوتُ من الحصن، فوجدت له بابين عظيمين لم يَرَ في الدنيا مثلهما في العِظَم والارتفاع، وهما مرصَّعان بأنواع الجواهر واليواقيت ما بين أبيض وأحمر وأصفر وأخضر، فلما رأيتُ ذلك تعجَّبْتُ منه غاية العجب، وتعاظمني ذلك الأمر، فدخلت الحصن وأنا مرعوب ذاهل اللب، فرأيت ذلك الحصن طويلًا مديدًا مثل المدينة في السعة، وبه قصور شاهقة، في كل قصر منها غُرَف وكلها مبنِيَّة بالذهب والفضة، ومرصَّعة باليواقيت والزبرجد واللؤلؤ والجواهر الملوَّنة، ومصاريع أبواب تلك القصور كمصاريع الحصن في الحُسْن، وقد فُرِشت أرضها باللآلئ الكبار، وبنادق المسك والعنبر والزعفران، فلما انتهيت إلى داخل المدينة لم أَرَ بها مخلوقًا من بني آدم، فكدت أن أموت من الفزع، ثم نظرت من أعالي الغرف والقصور فرأيت الأنهار تجري من تحتها، وشوارعها فيها الأشجار المثمرات والنخيل الباسقات، وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فقلت في نفسي: لا شك أن هذه هي الجنة الموعود بها في الآخرة. فحملت من جواهر حصبائها ومسك ترابها ما أمكنني حمله، وعدتُ إلى بلادي وأعلمت الناس بذلك، فبلغ الخبر إلى معاوية بن أبي سفيان وهو يؤمئذٍ خليفة بالحجاز، فكتب إلى عامله بصنعاء اليمن: أن أحضِرْ ذلك الرجل واسأله عن حقيقة الأمر. فأحضرني عامله واستخبرني عمَّا كان من أمري وما وقع لي، فأخبرته بما رأيته، فأرسلني إلى معاوية فأخبرته أيضًا بما رأيته، فأنكر ذلك معاوية، فأظهرت له شيئًا من ذلك اللؤلؤ وبنادق العنبر والمسك والزعفران، وفيها بعض رائحة طيبة، ولكن اللؤلؤ قد اصفرَّ وتغيَّرَ لونه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.