فلما كانت الليلة ٢٧٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عبد الله بن أبي قلابة قال: ولكن اللؤلؤ قد اصفرَّ وتغيَّرَ لونه، فتعجَّبَ من ذلك معاوية بن أبي سفيان لما رأى مع أبي قلابة اللؤلؤ وبنادق المسك والعنبر، وبعث إلى كعب الأحبار فأحضره وقال له: يا كعب الأحبار، إني دعوتك لأمر أطلب تحقيقه، وأرجو أن يكون عندك حقيقة خبره. فقال له: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال له معاوية: هل عندك علم بأنه يوجد مدينة مبنِيَّة بالذهب والفضة، عمدانها من الزبرجد والياقوت، وحصباؤها من اللؤلؤ وبنادق المسك والعنبر والزعفران؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، هي إرم ذات العماد، التي لم يُخلَق مثلها في البلاد، وقد بناها شداد بن عاد الأكبر. قال معاوية: حدِّثنا بشيء من حديثها.
قال كعب الأحبار: إن عاد الأكبر كان له ولدان شديد وشداد، فلما هلك أبوهما، ملك البلاد بعده شديد وأخوه شداد، ولم يكن أحد من ملوك الأرض إلا تحت طاعتهما، فمات شديد بن عاد فملك أخوه شداد الأرض من بعده على الانفراد، وكان مولعًا بقراءة الكتب القديمة، فلما مر به ذِكْرُ الآخرة والجنة، وما فيهما من القصور والغُرَف والأشجار والثمار وغيرها مما في الجنة، دعته نفسه إلى أن يبني مثلها في الدنيا على هذه الهيئة المتقدم ذكرها، وكان تحت يه مائة ألف ملك، تحت يد كل ملك مائة ألف قهرمان، تحت يد كل قهرمان مائة ألف عسكر، فأحضر الجميع بين يديه وقال لهم: إني أسمع في الكتب القديمة والأخبار بصفة الجنة التي توجد في الآخرة، وأنا أحب أن أجعل مثلها في الدنيا، فانطلِقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها، وابنوا لي فيها مدينة من الذهب والفضة، واجعلوا حصاها الزبرجد والياقوت واللؤلؤ، واجعلوا تحت عقود تلك المدينة أعمدة من زبرجد واملَئُوها قصورًا، واجعلوا فوق القصور غرفًا، واغرسوا تحت القصور في أزقتها وشوارعها أصناف الأشجار المختلفة الأثمار اليانعة، وأجروا تحتها الأنهار في قنوات الذهب والفضة. قالوا جميعهم: كيف نقدر على ما وصفتَ لنا؟ وكيف بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ الذي ذكرتَ؟ قال: ألستم تعلمون أن ملوك الدنيا طوعًا لي وتحت يدي، وكل مَن فيها لا يخالف أمري؟ قالوا: نِعْمَ ذلك. قال: فانطلِقوا إلى معادن الزبرجد والياقوت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.