فلما كانت الليلة ٢٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن شداد قال لجماعته: انطلِقوا إلى معادن الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة، فاستخرجوها واجمعوا ما بها من الأرض ولا تبقوا مجهودًا مع ذلك، فخذوا ما بأيدي العالم من أصناف ذلك ولا تبقوا ولا تذروا واحذروا المخالفة. ثم كتب كتابًا إلى كل ملك كان في أقطار الأرض، وأمرهم أن يجمعوا ما كان عند الناس من أصناف ذلك، وأن يذهبوا إلى معادنها ويستخرجوا ما فيها من الأحجار النفيسة، ولو من قعور البحار، فجمعوا ذلك في مدة عشرين سنة، وكان عدة الملوك المتمكنين في الأرض ثلاثمائة وستين ملكًا، ثم أخرج المهندسين والحكماء والفعلاء والصناع من سائر البلاد والبقاع، وانتشروا في البراري والقفار والجهات والأقطار حتى وصلوا إلى صحراء فيها فسحة عظيمة نقية خالية من الآكام والجبال، وبها عيون نافعة وأنهار جارية، فقالوا: هذه صفة الأرض التي أمَرَنا بها الملكُ وندبنا إليها. ثم اشتغلوا ببنائها على قدر ما أمرهم به الملك شداد ملك الأرض في الطول والعرض، وأجروا بها قنوات الأنهار، ووضعوا الأساسات على المقدار المذكور، وأرسل إليها ملوكُ الأقطارِ الجواهرَ والأحجار، واللآلئ الكبار والصغار، والعتيق والنضار على الجمال في البراري والقفار، وأرسلوا بها السفن الكبار في البحار، ووصل إلى العمال من تلك الأصناف ما لا يُوصَف ولا يُحصَى ولا يُكيَّف، فأقاموا في عمل ذلك ثلاثمائة سنة، فلما فرغوا من ذلك أتوا إلى الملك وأخبروه بالإتمام، فقال لهم: انطلِقوا فاجعلوا عليها حصنًا منيعًا شاهقًا رفيعًا، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، تحت كل قصر ألف علم، ليكون في كل قصر منها وزير. فمضوا من وقتهم وفعلوا في عشرين سنة، ثم حضروا بين يدَيْ شداد وأخبروه بحصول الغرض، فأمر وزراءه وهم ألف، وكذلك أمر خاصته ومَن يثق به من الجنود وغيرهم؛ أن يستعِدُّوا للرحلة ويتهيَّئُوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، تحت ركاب ملك الدنيا شداد بن عاد، وأمَرَ مَن أراد من نسائه وحريمه كجواريه وخدمه أن يأخذوا في التهجير، فأقاموا في أخذ الأهبة عشرين سنة، ثم سار شداد ومَن معه من الجيوش … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.