فلما كانت الليلة ٢٨١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت: لتستر ما كان منَّا، فإن المجالس بالأمانات. فقلتُ لها: جُعِلت فداكِ، لم أكن محتاجًا إلى وصية في ذلك. ثم ودَّعْتُها وأرسلت جارية تمشي بين يدي إلى باب الدار، ففتحت لي وخرجت متوجِّهًا إلى داري، فصلَّيْتُ الصبح ونمت، فأتاني رسول المأمون فسرت إليه، وأقمت نهاري عنده، فلما كان وقت العشاء تفكَّرت ما كنتُ فيه البارحة، وهو شيء لا يصبر عنه إلا جاهل؛ فخرجتُ وجئتُ إلى الزنبيل وجلست فيه، ورُفِعت إلى موضعي الذي كنتُ فيه البارحة، فقالت لي الجارية: لقد عاودت. فقلت: لا أظن، إلا أنني قد غفلت. ثم أخذنا في المحادثة على عادتنا في الليلة السالفة من المذاكرة والمناشدة وغريب الحكايات منها ومني إلى الفجر، ثم انصرفت إلى منزلي، وصلَّيت الصبح ونمت، فأتى رسول المأمون فمضيتُ إليه، وأقمتُ نهاري عنده. فلما كان وقت العشاء قال لي أمير المؤمنين: أقسمتُ عليك أن تجلس حتى أذهب إلى غرضٍ وأحضر. فلما ذهب الخليفة وغاب عني، جالت وساوسي، وتذكَّرت ما كنت فيه، فهان عليَّ ما يحصل لي من أمير المؤمنين؛ فوثبت مدبرًا وخرجت جاريًا حتى وصلت إلى الزنبيل فجلست فيه، ورُفِع بي إلى مجلسي، فقالت: لعلك صديقنا. قلت: إي والله. قالت: أجعلتنا دارَ إقامةٍ؟ قلت: جُعِلتُ فداكِ! حقُّ الضيافة ثلاثة أيام، فإن رجعت بعد ذلك فأنتم في حِلٍّ من دمي. ثم جلسنا على تلك الحالة، فلما قرب الوقت علمت أن المأمون لا بد أن يسألني فلا يقنع إلا بشرح القصة. فقلت لها: أراك ممَّن يعجب بالغناء، ولي ابن عم أحسن مني وجهًا، وأشرف قدرًا، وأكثر أدبًا، وهو أعرف خلق الله تعالى بإسحاق. قالت: أطفيليٌّ وتقترح؟ قلت لها: أنت المحكَّمة في الأمر. فقالت: إن كان ابن عمك على ما تصفه فما نكره معرفته. ثم جاء الوقت فنهضت، وقمت متوجهًا إلى داري، فلم أصل إلى داري إلا ورُسُل المأمون قد هجموا عليَّ وحملوني حملًا عنيفًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.