فلما كانت الليلة ٢٨٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن إسحاق الموصلي قال: فلم أصل إلى داري إلا ورُسُل المأمون قد هجموا عليَّ وحملوني حملًا عنيفًا، وذهبوا بي إليه، فوجدته قاعدًا على كرسي وهو مغتاظ مني، فقال: يا إسحاق، أخروجًا عن الطاعة؟ فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: فما قصتك؟ اصدُقني الخبر. فقلت: نعم، ولكن في خلوة. فأومأ إلى مَن بين يدَيْه فتنحَّوْا، فحدَّثته الحديث وقلت له: إني وعدتها بحضورك. قال: أحسنتَ. ثم أخذنا في لذتنا ذلك اليوم، والمأمون متعلق القلب بها، فما صدقنا بمجيء الوقت، وسرنا وأنا أوصيه وأقول له: تجنَّبْ أن تناديني باسمي قدَّامها، بل أنا لك تبع في حضرتها. واتفقنا على ذلك، ثم سرنا إلى أن أتينا مكانَ الزنبيل، فوجدنا زنبيلين فقعدنا فيهما، ورُفِعا بنا إلى الموضع المعهود، فأقبلَتْ وسلَّمَتْ علينا، فلما رآها المأمون تحيَّرَ من حُسْنها وجمالها، وأخذت تذاكره الأخبار، وتناشده الأشعار، ثم أحضرت النبيذ فشربنا وهي مقبلة عليه مسرورة به، وهو أيضًا مقبل عليها مسرور بها، ثم أخذَتِ العود وغنَّت طريقة، وبعد ذلك قالت لي: وهل ابن عمك من التجار (وأشارت إلى المأمون)؟ قلت: نعم. قالت: إنكما لَقريبَا الشبه من بعضكما. قلت: نعم. فلما شرب المأمون ثلاثة أرطال داخَلَه الفرحُ والطربُ، فصاح وقال: يا إسحاق. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنِّ بهذه الطريقة. فلما علمَتْ أنه الخليفة مضت إلى مكان ودخلت فيه، فلما فرغتُ من الغناء، قال لي المأمون: انظر مَن ربُّ هذه الدار. فبادرَتْ عجوز بالجواب وقالت: هي للحسن بن سهل. فقال: عليَّ به. فغابت العجوز ساعة، وإذا بالحسن قد حضر. فقال له المأمون: ألك بنت؟ قال: نعم، اسمها خديجة. قال له: هل هي متزوجة؟ قال: لا والله. قال: فإني أخطبها منك. قال: هي جاريتك، وأمرها إليك يا أمير المؤمنين. قال الخليفة: قد تزوَّجْتُها على نقد ثلاثين ألف دينار تُحمَل إليك صبيحة يومنا هذا، فإذا قبضت المال فاحملها إلينا من ليلتها. قال: سمعًا وطاعة. ثم خرجنا فقال: يا إسحاق، لا تقصَّ هذا الحديث على أحدٍ. فسترتُه إلى أن مات المأمون، فما اجتمع لأحد مثل ما اجتمع لي هذه الأربعة أيام: مجالسة المأمون بالنهار، ومجالسة خديجة بالليل، والله ما رأيت أحدًا من الرجال مثل المأمون، ولا شاهدتُ امرأة من النساء مثل خديجة، بل ولا تُقارِب خديجة فهمًا، ولا عقلًا، ولا لفظًا. والله أعلم.
حكاية الحشَّاش والسيدة النبيلة
ومما يُحكَى أنه كان أوان الحج والناس في الطواف، فبينما المطاف مزدحم بالناس وإذا بإنسان متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من صميم قلبه: أسألك يا ألله أنها تغضب على زوجها وأجامعها. قال: فسمعه جماعة من الحجاج فقبضوا عليه وأتوا به إلى أمير الحاج بعد أن أشبعوه ضربًا، وقالوا له: أيها الأمير، إنا وجدنا هذا في الأماكن الشريفة يقول كذا وكذا. فأمر أمير الحاج بشنقه، فقال له: أيها الأمير، بحق رسول الله ﷺ أن تسمع قصتي وحديثي، وبعد ذلك فافعل بي ما تريد. قال: تحدَّثْ. قال: اعلم أيها الأمير أنني رجل حشاش أعمل في مسالخ الغنم، فأحمل الدم والوسخ إلى الكيمان، فاتفق أنني رائح بحماري يومًا من الأيام وهو محمَّل، فوجدت الناس هاربين، فقال واحد منهم: ادخل هذا الزقاق لئلا يقتلوك. فقلت: ما للناس هاربين؟ فقال لي واحد خدام: هذا حريم لبعض الأكابر. وصار الخدم يُنحُّون الناس من الطريق قدَّامها، ويضربون جميع الناس، ولا يبالون بأحد، فدخلت بالحمار عطفة … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.