فلما كانت الليلة ٢٨٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل قال: فدخلت بالحمار عطفة، ووقفت أنتظر انفضاض الزحمة، فرأيت الخدم وبأيديهم العصي، ومعهم نحو ثلاثين امرأة وبينهم واحدة كأنها قضيب بان، كاملة الحسن والظرف والدلال، والجميع في خدمتها. فلما وصلت إلى باب العطفة التي أنا واقف بها التفتَتْ يمينًا وشمالًا، ثم دعت بطواشي فحضر بين يديها فسارَّتْه في أذنه، وإذا بالطواشي جاء إليَّ وقبض عليَّ، فتهاربت الناس، وإذا بطواشي آخَر أخذ حماري ومضى به، ثم جاء الطواشي وربطني بحبل وجرَّني خلفه، وأنا لم أعرف ما الخبر، والناس من خلفنا يصيحون ويقولون: ما يحل من الله، هذا رجل حشاش فقير الحال، ما سبب ربطه بالحبال؟ ويقولون للطواشية: ارحموه يرحمكم الله تعالى، وأطلقوه. فقلت أنا في نفسي: ما أخذني الطواشية إلا لأن سيدتهم شمت رائحة الوسخ فاشمأزت من ذلك، أو تكون حبلى أو حصل لها ضرر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما زلتُ ماشيًا خلفهم إلى أن وصلوا إلى باب دار كبيرة فدخلوا وأنا خلفهم، واستمروا داخلين بي حتى وصلت إلى قاعة كبيرة ما أعرف كيف أصف محاسنها، وهي مفروشة بفرش عظيم. ثم دخلت النساء تلك القاعة وأنا مربوط مع الطواشي، فقلت في نفسي: لا بد أنهم يعاقبونني في هذا البيت حتى أموت، ولا يدري بموتي أحد. ثم بعد ذلك أدخلوني حمَّامًا لطيفًا من داخل القاعة، فبينما أنا في الحمام، وإذا بثلاث جوارٍ دخلن وقعدن حولي، وقلن لي: اقلع شراميطك. فقلعت ما عليَّ من الخلقان، وصارت واحدة منهن تحُكُّ رجلي، وواحدة منهن تغسل رأسي، وواحدة تكبسني، فلما فرغن من ذلك حطوا لي بقجة قماش، وقالوا لي: البس هذه. فقلت، والله ما أعرف كيف ألبس. فتقدَّمْنَ إليَّ وألبسنني وهنَّ يتضاحكن عليَّ، ثم جئن بقماقم مملوءة بماء الورد ورششن عليَّ، وخرجتُ معهن إلى قاعة أخرى، والله ما أعرف كيف أصف محاسنها من كثرة ما فيها من النقش والفرش؛ فلما دخلت تلك القاعة وجدت واحدة قاعدة على تخت من الخيزران. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.