فلما كانت الليلة ٢٨٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل قال: لما دخلت تلك القاعة وجدت واحدة قاعدة على تخت من الخيزران، قوائمه من عاج، وبين يديها جملة جوارٍ، فلما رأتني قامت إليَّ ونادتني فجئتُ عندها، فأمرتني بالجلوس فجلست إلى جانبها، وأمرت الجواري أن يقدِّمن الطعام، فقدمن لي طعامًا فاخرًا من سائر الألوان ما أعرف اسمه، ولا أعرف صفته في عمري، فأكلت منه على قدر كفايتي، وبعد رفع الزبادي وغسل الأيادي أمرَتْ بإحضار الفواكه، فحضرت بين يديها في الحال، فأمرتني بالأكل فأكلت، فلما فرغنا من الأكل أمرَتْ بعض الجواري بإحضار سلاحيات الشراب، فأحضرن شيئًا مختلف الألوان، ثم أطلقن المباخر من جميع البخور، وقامت جارية مثل القمر تسقينا على نغمات الأوتار، فسكرت أنا وتلك السيدة الجالسة. كل ذلك جرى وأنا أعتقد أنه حلم في المنام، ثم بعد ذلك أشارت إلى بعض الجواري أن يفرشن لنا في مكان، ففرشن في المكان الذي أمرَتْ به، ثم قامت وأخذت بيدي إلى ذلك المكان المفروش، ونامت ونمت معها إلى الصباح، وكنت كلما ضممتها إلى صدري أشم منها رائحة المسك والطيب، وما أعتقد إلا أني في الجنة أو أنني أحلم في المنام. فلما أصبحت سألتني عن مكاني فقلت: في المحل الفلاني. فأمرت بخروجي، وأعطتني منديلًا مطرزًا بالذهب والفضة، وعليه شيء مربوط، فقالت لي: ادخل الحمام بهذا. ففرحت وقلت في نفسي: إن كان ما عليه خمسة فلوس فهي غدائي في هذا اليوم. ثم خرجت من عندها كأني خارج من الجنة، وجئت إلى المخزن الذي أنا فيه، ففتحت المنديل فوجدتُ فيه خمسين مثقالًا من الذهب، فدفنْتُها وقعدتُ عند الباب بعد أن اشتريت بفلسين خبزًا وأُدمًا وتغدَّيت، ثم صرت متفكرًا في أمري.
فبينما أنا كذلك إلى وقت العصر، وإذا بجارية قد أتت وقالت لي: إن سيدتي تطلبك. فخرجت معها إلى باب الدار واستأذنت لي، فدخلت وقبَّلت الأرض بين يديها فأمرتني بالجلوس، وأمرت بإحضار الطعام والشراب على العادة، ثم نمت معها على جري العادة التي تقدَّمت أول ليلة. فلما أصبحت ناولتني منديلًا ثانيًا فيه خمسون مثقالًا من الذهب، فأخذتها وخرجت وجئتُ إلى المخزن ودفنتها، ومكثتُ على هذه الحالة مدة ثمانية أيام، أدخل عندها في كلِّ يومٍ العصرَ، وأخرج من عندها في أول النهار. فبينما أنا نائم عندها ليلة ثامن يوم، وإذا بجارية دخلت وهي تجري، وقالت لي: قم اطلع إلى هذه الطبقة. فطلعت إلى تلك الطبقة فوجدتها تشرف على وجه الطريق، فبينما أنا جالس، وإذا بضجة عظيمة، ودربكة خيل في الزقاق، وكان في الطبقة طاقة تشرف على الباب، فنظرت منها فرأيت شابًّا راكبًا كأنه القمر الطالع ليلة تمامه، وبين يدَيْه مماليك وجند يمشون في خدمته، فتقدَّم إلى الباب وترجَّل ودخل القاعة، فرآها قاعدة على السرير، فقبَّل الأرض بين يديها، ثم تقدَّمَ وقبَّل يدها فلم تكلِّمه، فما برح يتخضَّع لها حتى صالحها ونام عندها تلك الليلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.