فلما كانت الليلة ٢٨٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم لما قالوا للشيخ: إنا نشتهي أن تفرجنا في مركبك، وخذ هذا الدينار. قال لهم: مَن ذا الذي يقدر على الفرجة، والخليفة هارون الرشيد ينزل في كل ليلة بحر الدجلة في زورق صغير، ومعه منادٍ ينادي ويقول: يا معشر الناس كافة من كبير وصغير، وخاص وعام، وصبي وغلام، كل مَن نزل في مركب وشق في الدجلة، ضربت عنقه أو شنقته على صاري مركبه؟ وكأنكم به في هذه الساعة وزورقه مقبل. فقال الخليفة وجعفر: يا شيخ، خذ هذين الدينارين، وادخل بنا قبة من هذه القباب إلى أن يروح زورق الخليفة. فقال لهم الشيخ: هاتوا الذهب، والتوكل على الله تعالى. فأخذ الذهب وعوَّم بهم قليلًا، وإذا بالزورق قد أقبل من كبد الدجلة، وفيه الشموع والمشاعل مضيئة، فقال لهم الشيخ: أَمَا قلتُ لكم إن الخليفة يشق في كل ليلة؟ ثم إن الشيخ صار يقول: يا ستار لا تكشف الأستار. ودخل بهم في قبة، ووضع عليهم ميزرًا أسود، وصاروا يتفرجون من تحت الميزر، فرأوا في مقدم الزورق رجلًا بيده مشعل من الذهب الأحمر، وهو يشعل فيه بالعود القاقلي، وعلى ذلك قباء من الأطلس الأحمر، وعلى كتفه مزركش أصفر، وعلى رأسه شاش موصلي، وعلى كتفه الآخَر مخلاة من الحرير الأخضر ملآنة بالعود القاقلي يوقد منها المشعل عوضًا عن الحطب، ورأوا رجلًا آخَر في مؤخر الزورق لابسًا مثل لبسه، وبيده مشعل مثل المشعل الذي معه، ورأوا في الزورق مائتَيْ مملوك واقفين يمينًا ويسارًا، ووجد كرسيًّا من الذهب الأحمر منصوبًا، وعليه شاب حسن جالس كالقمر، وعليه خلعة سوداء بطرازات من الذهب الأصفر، وبين يديه إنسان كأنه الوزير جعفر، وعلى رأسه خادم واقف كأنه مسرور، وبيده سيف مشهور، ورأوا عشرين نديمًا؛ فلما رأى الخليفة ذلك قال: يا جعفر. فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: لعل هذا واحد من أولادي؛ إما المأمون وإما الأمين. ثم تأمل الشاب وهو جالس على الكرسي، فرآه كامل الحسن والجمال، والقدِّ والاعتدال، فلما تأمله التفت إلى الوزير وقال: يا وزير. قال: لبيك. قال: والله إن هذا الجالس لم يترك شيئًا من شكل الخلافة، والذي بين يدَيْه كأنه أنت يا جعفر، والخادم الذي واقف على رأسه كأنه مسرور، وهؤلاء الندماء كأنهم ندمائي، وقد حار عقلي في هذا الأمر.
فقالت لها أختها دنيازاد: ما أحسن حديثك، وأطيبه، وأحلاه، وأعذبه! فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشتُ وأبقاني الملك. فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.