فلما كانت الليلة ٢٨٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة لما رأى هذا الأمر تحيَّرَ في عقله وقال: والله إني تعجَّبْتُ من هذا الأمر يا جعفر. فقال له جعفر: وأنا والله يا أمير المؤمنين. ثم ذهب الزورق حتى غاب عن العين، فعند ذلك خرج الشيخ بزورقه وقال: الحمد لله على السلامة حيث لم يصادفنا أحد. فقال الخليفة: يا شيخ، وهل الخليفة في كل ليلة ينزل الدجلة؟ قال: نعم يا سيدي، وله على هذه الحالة سنة كاملة. فقال: يا شيخ، نشتهي من فضلك أن تقف لنا هنا الليلة القابلة، ونحن نعطيك خمسة دنانير ذهبًا، فإننا قوم غرباء وقصدنا النزهة، ونحن نازلون في الخندق. فقال له الشيخ: حبًّا وكرامة. ثم إن الخليفة وجعفرًا ومسرورًا توجَّهوا من عند الشيخ إلى القصر، وقلعوا ما كان عليهم من لبس التجار، ولبسوا ثياب الملك، وجلس كل واحد في مرتبته، ودخل الأمراء والوزراء والحجَّاب والنوَّاب، وانعقد المجلس بالناس. فلما انقضى النهار وتفرَّقت أجناس الناس، وراح كل واحد إلى حال سبيله، قال الخليفة هارون الرشيد: يا جعفر، انهض بنا للفرجة على الخليفة الثاني. فضحك جعفر ومسرور، ولبسوا لبس التجار، وخرجوا يشقون وهم في غاية الانشراح، وكان خروجهم من باب السر، فلما وصلوا إلى الدجلة وجدوا الشيخ صاحب الزورق قاعدًا لهم في الانتظار، فنزلوا عنده في المركب، فما استقر بهم الجلوس مع الشيخ ساعةً حتى جاء زورق الخليفة الثاني وأقبل عليهم؛ فالتفتوا إليه وأمعنوا فيه النظر فوجدوا فيه مائتَيْ مملوك غير المماليك الأُوَل، والمشاعلية ينادون على عادتهم، فقال الخليفة: يا وزير، هذا شيء لو سمعتُ به ما كنتُ أصدِّقه، ولكنني رأيت ذلك عيانًا. ثم إن الخليفة قال لصاحب الزورق الذي هم فيه: خذ يا شيخ هذه العشرة دنانير، وسِر بنا في محاذاتهم، فإنهم في النور ونحن في الظلام، فننظرهم ونتفرَّج عليهم وهم لا ينظروننا. فأخذ الشيخ العشرة دنانير ومشى بزورقه في محاذاتهم، وسار في ظلام زورقهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.