فلما كانت الليلة ١٤٥
مقتل العجوز ذات الدواهي
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نزهة الزمان لما سمعت من البدوي هذا الكلام، تبدَّل الضياء في عينها بالظلام، وقامت جرَّدت السيف وضربت به البدوي حمَّادًا على عاتقه فأطلعته من علائقه، فقال لها الحاضرون: لأيِّ شيء استعجلت على قتله؟ فقالت: الحمد لله الذي فسح في أجلي حتى أخذتُ ثأري بيدي. ثم إنها أمرت العبيد أن يجروه من رجليه، ويرموه للكلاب.
وبعد ذلك أقبلوا على الاثنين الباقيَيْن من الثلاثة، وكان أحدهما عبدًا أسود، فقالوا له: ما اسمك أنت؟ فاصدقنا في حديثك. قال: أنا اسمي الغضبان. وأخبرهم بما وقع له مع الملكة إبريزة بنت الملك حردوب ملك الروم، وكيف قتلها وهرب، فلم يتم العبد كلامه حتى رمى الملك رومزان رقبته بالحسام، وقال: الحمد لله الذي أحياني وأخذت ثأر أمي بيدي. وأخبرهم أن دايته مرجانة حكت له عن هذا العبد الذي اسمه الغضبان.
وبعد ذلك أقبلوا على الثالث، وكان هو الجمَّال الذي اكتروه أهل بيت المقدس لحمل ضوء المكان وتوصيله إلى المارستان الذي في دمشق الشام، فذهب به وألقاه في المستوقد، وذهب إلى حال سبيله، ثم قالوا له: أخبرنا أنت بخبرك، واصدق في حديثك. فحكى لهم جميع ما وقع له مع السلطان ضوء المكان، وكيف حمله من بيت المقدس وهو ضعيف، على أن يوصله إلى الشام ويرميه في المارستان، وكيف جاء له أهل بيت المقدس بالدراهم، فأخذها وهرب بعد أن رماه في مستوقد الحمَّام، فلما تمَّ كلامه أخذ السلطان «كان ما كان» السيفَ وضربه فرمى عنقه، وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى جازيت هذا الخائن بما فعل مع أبي، فإنني قد سمعت هذه الحكاية بعينها من والدي السلطان ضوء المكان.
فقال الملوك لبعضهم: ما بقي علينا إلَّا العجوز شواهي الملقَّبة بذات الدواهي، فإنها سبب هذه البلايا؛ حيث أوقعتنا في الرزايا، ومن لنا بها حتى نأخذ منها الثأر، ونكشف العار. فقال لهم الملك رومزان عم الملك كان ما كان: لا بد من إحضارها. ثم إن الملك رومزان كتب كتابًا من وقته وساعته، وأرسله إلى جدته العجوز شواهي الملقَّبة بذات الدواهي، وذكر لها فيه أنه غلب على مملكة دمشق والموصل والعراق، وكسر عسكر المسلمين وأسر ملوكهم، وقال: أريد أن تحضري عندي من كل بد، أنتِ والملكة صفيَّة بنت الملك أفريدون ملك القسطنطينية، ومَن شئتم من أكابر النصارى من غير عسكر، فإن البلاد أمان؛ لأنها صارت تحت أيدينا. فلما وصل الكتاب إليها وقرأته وعرفت خط الملك رومزان، فرحت فرحًا شديدًا، وتجهَّزت من وقتها وساعتها للسفر هي والملكة صفية أم نزهة الزمان ومَن صَحِبهم، ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بغداد، فتقدَّم الرسول وأخبرهم بحضورها، فقال رومزان: المصلحة تقتضي أن نلبس اللبس الإفرنجي، ونقابل العجوز حتى نأمن من خداعها وحِيَلها. فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم إنهم لبسوا لباس الإفرنج، فلما رأت ذلك «قضى فكان» قالت: وحق الرب المعبود، لولا أني أعرفكم لَقلتُ إنكم إفرنج. ثم إن رومزان تقدَّم أمامهم، وخرجوا يقابلون العجوز في ألف فارس، فلما وقعت العين في العين، ترجَّلَ رومزان عن جواده وسعى إليها، فلما رأته وعرفته ترجَّلت إليه وعانقته، فقرط بيده على أضلاعها حتى كاد أن يقصفها، فقالت: ما هذا؟ فلم تتم كلامها حتى نزل إليهما «كان ما كان»، والوزير دندان، وزعقت الفرسان على مَن معها من الجواري والغلمان، وأخذوهم جميعهم ورجعوا إلى بغداد، وأمرهم رومزان أن يزيِّنوا بغداد، فزيَّنوها ثلاثةَ أيام، ثم أخرجوا شواهي الملقَّبة بذات الدواهي، وعلى رأسها طرطور أحمر مكلَّل بروث الحمير، وقُدَّامها منادٍ ينادي: هذا جزاء مَن يتجرَّأ على الملوك، وعلى أولاد الملوك. ثم صلبوها على باب بغداد، ولما رأى أصحابها ما جرى لها أسلموا كلهم جميعًا.
ثم إن كان ما كان، وعمه رومزان، ونزهة الزمان، والوزير دندان تعجَّبوا لهذه السيرة العجيبة، وأمروا الكُتَّاب أن يؤرخوها في الكتب حتى تُقرَأ من بعدهم، وأقاموا بقية الزمان في ألذ عيش وأهناه، إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات. وهذا آخر ما انتهى إلينا من تصاريف الزمان بالملك عمر النعمان، وولده شركان، وولده ضوء المكان، وولد ولده كان ما كان، ونزهة الزمان، وقضى فكان.
ثم إن الملك قال لشهرزاد: أشتهي أن تحكي لي شيئًا من حكاية الطيور. فقالت: حبًّا وكرامة. فقالت لها أختها: لم أرَ الملك في طول هذه المدة انشرح صدره غير هذه الليلة، وأرجو أن تكون عاقبتك محمودة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.