فلما كانت الليلة ٢٩١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري قال: ثم إنها مالت عليَّ وقبَّلتني، وإلى جهتها جذبتني، وعلى صدرها رمتني، وعلمت من حالي أني أريد وصالها، فقالت: يا سيدي، أتريد أن تجتمع بي في الحرام؟ والله لا كان مَن يفعل مثل هذه الآثام، ويرضى بقبيح الكلام، فإني بكر عذراء ما دَنَا مني أحد، ولست مجهولة في البلد، أتعلم مَن أنا؟ فقلت: لا والله يا سيدتي. فقالت: أنا السيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي، وأخي جعفر وزير الخليفة. فلما سمعت ذلك منها أحجمت بخاطري عنها، وقلت لها: يا سيدتي، ما لي ذنب في التهجُّم عليكِ، أنتِ التي أطمعتِني في وصالك بالوصول إليك. فقالت: لا بأس عليك، ولا بد من بلوغك المراد بما يُرضِي الله، فإن أمري بيدي، والقاضي ولي عقدي، والقصد أن أكون لك أهلًا، وتكون لي بعلًا. ثم إنها دعت بالقاضي والشهود، وبذلت المجهود؛ فلما حضروا قالت لهم: محمد علي بن علي الجوهري قد طلب زواجي، ودفع لي هذا العقد في مهري، وأنا قبلت ورضيت. فكتبوا كتابي عليها ودخلت بها، وأُحضرت آلات الراح، ودارت الأقداح بأحسن نظام وأتم إحكام، ولما شعشعت الخمرة في رءوسنا أمرت جارية عوَّادة أن تغني، فأخذت العود وأطربت بالنغمات، وأنشدت هذه الأبيات:
فأطربت الجارية بما أبدته من نغمات الأوتار ورقيق الأشعار، ولم تزل الجواري تغني جارية بعد جارية، وينشدن الأشعار إلى أن غنَّتْ عشرُ جوارٍ، وبعد ذلك أخذت السيدة دنيا العود وأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:
فلما فرغت من شعرها أخذتُ العود منها وضربتُ عليه غريب الضربات وغنَّيتُ بهذه الأبيات:
فلما سمعت مني هذا المعنى فرحت فرحًا شديدًا، ثم إنها صرفت الجواري، وقمنا إلى أحسن مكان قد فُرِش لنا فيه فرش من سائر الألوان، ونزعت ما عليها من الثياب، وخلوت بها خلوة الأحباب؛ فوجدتها درَّة لم تُثقَب، ومُهْرَة لم تُركَب، ففرحت بها، ولم أَرَ في عمري ليلة أطيب من تلك الليلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.