فلما كانت الليلة ٢٩٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن محمد بن علي الجوهري قال: لما دخلت بالسيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي رأيتها درَّة لم تُثقَب، ومُهْرَة لم تُركَب، فأنشدتُ هذين البيتين:
ثم أقمت عندها شهرًا كاملًا، وقد تركت الدكان، والأهل والأوطان، فقالت لي يومًا من الأيام: يا نور العين يا سيدي محمد، إني قد عزمت اليومَ على المسير إلى الحمام، فاستقر أنت على هذا السرير، ولا تنتقل من مكانك إلى أن أرجع إليك. وحلَّفتني على ذلك، فقلت لها: سمعًا وطاعة. ثم إنها حلَّفتني أني لا أنتقل من موضعي، وأخذت جواريها وذهبت إلى الحمام، فوالله يا إخواني ما لحقت أن تصل إلى رأس الزقاق إلا والباب قد فُتِح، ودخلَتْ منه عجوز، وقالت: يا سيدي محمد، إن السيدة زبيدة تدعوك، فإنها سمعت بأدبك وظرفك وحسن غنائك. فقلت لها: والله ما أقوم من مكاني حتى تأتي السيدة دنيا. فقالت العجوز: يا سيدي، لا تخلِّ السيدة زبيدة تغضب عليك وتبقى عدوتك، فقُمْ كلِّمها وارجع إلى مكانك. فقمتُ من وقتي وتوجَّهت إليها، والعجوز أمامي إلى أن وصَّلتني إلى السيدة زبيدة، فلما وصلت إليها قالت لي: يا نور العين، هل أنت معشوق السيدة دنيا؟ فقلت: أنا مملوكك وعبدك. فقالت: صدق الذي وصفك بالحُسْن والجمال، والأدب والكمال؛ فإنك فوق الوصف والمقال، ولكن غنِّ لي حتى أسمعك. فقلت لها: سمعًا وطاعة. فأتتني بعود فغنَّيت عليه بهذه الأبيات:
فلما فرغتُ من المغنى قالت لي: أصح الله بدنك، وطيَّب أنفاسك، فلقد كملت في الحُسْن والأدب والمغنى، فقم وامضِ إلى مكانك قبل أن تجيء السيدة دنيا فلا تجدك فتغضب عليك. فقبَّلتُ الأرضَ بين يدَيْها وخرجت والعجوز أمامي إلى أن وصلت إلى الباب الذي خرجتُ منه، فدخلتُ وجئتُ إلى السرير فوجدتها قد جاءت من الحمام، وهي نائمة على السرير، فقعدت عند رجليها وكبستهما، ففتحت عينَيْها فرأتني، فجمعت رجليها ورفصتني فرمتني من فوق السرير، وقالت لي: يا خائن! خنت اليمين وحنثت فيه، ووعدتني أنك لا تنتقل من مكانك وأخلفت الوعد، وذهبت إلى السيدة زبيدة، والله لولا خوفي من الفضيحة لَهدمتُ قصرها على رأسها. ثم قالت لعبدها: يا صواب، قم اضرب رقبة الكذَّاب، فلا حاجةَ لنا به. فتقدَّمَ العبدُ وشرط من ذيله رقعة وعصب بها عينيَّ، وأراد أن يضرب عنقي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.