فلما كانت الليلة ٢٩٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن محمدًا الجوهري قال: فتقدَّمَ العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب بها عينيَّ، وأراد أن يضرب عنقي، فقامت إليها الجواري الكبار والصغار وقلن لها: يا سيدتنا، ليس هذا أول مَن أخطأ، وهو لا يعرف خلقك، وما فعل ذنبًا يوجب القتل. فقالت: والله لا بد أن أعمل فيه أثرًا. ثم أمرت بضربي، فضربوني على أضلاعي، وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب، وبعد ذلك أمرت بإخراجي، فأخرجوني وأبعدوني عن القصر ورموني، فحملتُ نفسي ومشيت قليلًا قليلًا حتى وصلت إلى منزلي، وأحضرت جراحيًّا وأريته الضرب، فلاطفني وسعى في مداواتي. فلما شفيت ودخلت الحمام، وزالت عني الأوجاع والأسقام، جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيها وبعته، وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمائة مملوك ما جمعهم أحد من الملوك، وصار يركب معي منهم في كل يوم مائتان، وعملت هذا الزورق، وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب، وسمَّيتُ نفسي بالخليفة، ورتَّبتُ مَن معي من الخدم كل واحد في وظيفة واحد من أتباع الخليفة، وهيَّأتُه بهيئته، وناديت: كلُّ مَن تفرَّجَ في الدجلة ضربتُ عنقه بلا مهلة. ولي على هذا الحال سنة كاملة، وأنا لم أسمع لها خبرًا، ولم أقف لها على أثر. ثم إنه بكى وأفاض العبرات، وأنشد هذه الأبيات:
فلما سمع هارون الرشيد كلامه، وعرف وَجْده ولوعته وغرامه، تدلَّهَ ولهًا، وتحيَّر عجبًا، وقال: سبحان الله الذي جعل لكل شيء سببًا! ثم إنهم استأذنوا الشاب في الانصراف فأذن لهم، وأضمر له الرشيد على الإنصاف، وأن يتحفه غاية الإتحاف، ثم انصرفوا من عنده سائرين وإلى محل الخلافة متوجِّهين، فلما استقر بهم الجلوس، وغيَّروا ما عليهم من الملبوس، ولبسوا أثواب المواكب، ووقف بين أيديهم مسرور سيَّاف النقمة، فقال الخليفة لجعفر: يا وزير، عليَّ بالشاب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.