فلما كانت الليلة ٢٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخليفة قال للوزير: عليَّ بالشاب الذي كنَّا عنده في الليلة الماضية. فقال: سمعًا وطاعة. ثم توجَّه إليه وسلَّم عليه، وقال له: أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد. فسار معه إلى القصر وهو من الترسيم عليه في حصر، فلما دخل على الخليفة قبَّل الأرض بين يديه، ودعا له بدوام العز والإقبال وبلوغ الآمال، ودوام النِّعَم وإزالة البؤس والنقم، وقد أحسن ما به تكلَّمَ حيث قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، وحامي حومة الدين. ثم أنشد هذين البيتين:
فتبسَّم الخليفة في وجهه وردَّ عليه السلام، والتفت إليه بعين الإكرام، وقرَّبه وأجلسه بين يديه، وقال له: يا محمد علي، أريد منك أن تحدِّثني بما وقع في هذه الليلة، فإنه من العجائب وبديع الغرائب. فقال الشاب: العفو يا أمير المؤمنين، أعطني منديل الأمان ليسكن روعي ويطمئن قلبي. فقال له الخليفة: لك الأمان من الخوف والأحزان. فشرع الشاب يحدِّثه بالذي حصل له من أوله إلى آخِره. فعلم الخليفة أن الصبي عاشق، وللمعشوق مفارق، فقال له: أتحب أن أردَّها عليك؟ قال: هذا من فضل أمير المؤمنين. ثم أنشد هذين البيتين:
فعند ذلك التفت الخليفة إلى الوزير وقال له: يا جعفر، أحضر لي أختك السيدة دنيا بنت الوزير يحيى بن خالد. فقال: سمعًا وطاعة يا أمير المؤمنين. ثم أحضرها في الوقت والساعة، فلما تمثَّلت بين يديه قال لها الخليفة: أتعرفين مَن هذا؟ قالت: يا أمير المؤمنين، من أين للنساء معرفة الرجال؟ فتبسَّمَ الخليفة وقال لها: يا دنيا، هذا حبيبك محمد علي بن الجوهري، وقد عرفنا الحال، وسمعنا الحكاية من أولها إلى آخِرها، وفهمنا ظاهرها وباطنها، والأمر لا يخفى وإنْ كان مستورًا. فقالت: يا أمير المؤمنين، كان ذلك في الكتاب مسطورًا، وأنا أستغفر الله العظيم ممَّا جرى مني، وأسألك من فضلك العفو عني. فضحك الخليفة هارون الرشيد، وأحضر القاضي والشهود، وجدَّدَ عقدها على زوجها محمد علي بن الجوهري، وحصل لها وله سعد السعود، وإكماد الحسود، وجعله من جملة ندمائه، واستمروا في سرور ولذة وحبور، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات.
حكاية علي العجمي
ومما يُحكَى أيضًا أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي فاستدعى وزيره، فلما حضر بين يدَيْه قال له: يا جعفر، إني قلقت الليلة قلقًا عظيمًا وضاق صدري، وأريد منك شيئًا يسرُّ خاطري، وينشرح به صدري. فقال له جعفر: يا أمير المؤمنين، إن لي صديقًا اسمه علي العجمي، وعنده من الحكايات والأخبار المطربة ما يسرُّ النفوس، ويزيل عن القلب البؤس. فقال: عليَّ به. فقال: سمعًا وطاعة. ثم إن جعفرًا خرج من عند الخليفة في طلب العجمي فأرسل خلفه، فلما حضر قال له: أجِبْ أمير المؤمنين. فقال: سمعًا وطاعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.