فلما كانت الليلة ٢٩٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجمي قال: سمعًا وطاعة. ثم توجَّهَ معه إلى الخليفة، فلما تمثَّلَ بين يدَيْه أذن له بالجلوس فجلس، فقال له الخليفة: يا علي، إنه ضاق صدري في هذه الليلة، وقد سمعت عنك أنك تحفظ حكايات وأخبارًا، وأريد منك أن تُسمعني ما يزيل همي، ويصقل فكري. فقال: يا أمير المؤمنين، هل أحدثك بالذي رأيته بعيني أم بالذي سمعته بأذني؟ فقال: إن كنتَ رأيتَ شيئًا فاحكِهِ. فقال: سمعًا وطاعة، اعلم يا أمير المؤمنين أني سافرت في بعض السنين من بلدي هذه، وهي مدينة بغداد، وصحبتي غلام، ومعه جراب لطيف، ودخلنا مدينة، فبينما أنا أبيع وأشتري وإذا برجل كردي ظالم متعدٍّ قد هجم عليَّ وأخذ مني الجراب، وقال: هذا جرابي، وكل ما فيه متاعي. فقلت: يا معشر المسلمين، خلصوني من يد أفجر الظالمين. فقال الناس جميعًا: اذهبا إلى القاضي، واقبلا حكمه بالتراضي. فتوجَّهنا إلى القاضي وأنا بحكمه راضٍ، فلما دخلنا عليه وتمثَّلنا بين يديه، قال القاضي: في أي شيء جئتما؟ وما قضية خبركما؟ فقلت: نحن خصمان إليك تداعينا، وبحكمك تراضينا. فقال: أيكما المدَّعِي؟ فتقدَّمَ الكردي وقال: أيَّدَ الله مولانا القاضي، إن هذا الجراب جرابي، وكل ما فيه متاعي، وقد ضاع مني، ووجدته مع هذا الرجل. فقال القاضي: ومتى ضاع منك؟ فقال الكردي: من أمس هذا اليوم، وبتُّ لفقده بلا نوم. فقال القاضي: إن كنت عرفته فصِفْ لي ما فيه؟ فقال الكردي: في جرابي هذا مِرْودان من لُجين، وفيه أكحال للعين، ومنديل لليدين، ووضعت فيه شربتين مذهَّبتين، وشمعدانين، وهو مشتمل على بيتين، وطبقين، ومعلقتين، ومخدة، ونطعين، وإبريقين، وصينية وطشتين، وقدرة وزلعتين، ومغرفة ومسلَّة ومِزْوَدين، وهرة وكلبتين، وقصعة وقعيدتين، وجبَّة وفروتين، وبقرة وعجلين، وعنز وشاتين، ونعجة وسخلين، وصيوانين أخضرين، وجمل وناقتين، وجاموسة وثورين، ولبوة وسَبْعَين، ودبَّة وثعلبين، ومرتبة وسريرين، وقصر وقاعتين، ورواق ومقعدين، ومطبخ ببابين، وجماعة أكراد يشهدون أن الجراب جرابي.
فقال القاضي: ما تقول أنت يا هذا؟ فتقدَّمت إليه يا أمير المؤمنين، وقد أبهتني الكردي بكلامه، فقلت: أعز الله مولانا القاضي، أنا ما في جرابي هذا إلا دويرة خراب، وأخرى بلا باب، ومقصورة للكلاب، وفيه للصبيان كتاب، وشباب يلعبون بالكعاب، وفيه خيام وأطناب، ومدينة البصرة وبغداد، وقصر شدَّاد بن عاد، وكور حداد، وشبكة صياد، وعصيٌّ وأوتاد، وبنات وأولاد، وألف قوَّاد يشهدون أن الجراب جرابي.
فلما سمع الكردي هذا الكلام بكى وانتحب، وقال: يا مولانا القاضي، إن جرابي هذا معروف، وكل ما فيه موصوف؛ في جرابي هذا حصون وقلاع، وكراكي وسباع، ورجال يلعبون بالشطرنج والرقاع، وفي جرابي هذا حجرة ومُهْران، وفحل وحصانان، ورمحان طويلان، وهو مشتمل على سبع وأرنبَيْن، ومدينة وقريتين، وقحبة وقوَّادين شاطرين، ومخنَّث وعلقين، وأعمى وبصيرين، وأعرج ومكسحين، وشماسين، وبطرك وراهبين، وقاضٍ وشاهدين، وهم يشهدون أن الجراب جرابي. فقال القاضي: ما تقول يا علي؟ فامتلأت غيظًا يا أمير المؤمنين، وتقدمت إليه وقلت: أيَّد لله مولانا القاضي … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.