فلما كانت الليلة ٢٩٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي قال: فامتلأتُ غيظًا يا أمير المؤمنين، وتقدَّمْتُ إليه وقلت: أيَّد الله مولانا القاضي، أنا في جرابي هذا زرد وصفاح، وخزائن سلاح، وألف كبش نطاح، وفيه للغنم مراح، وألف كلب نبَّاح، وبساتين وكروم، وأزهار ومشموم، وتين وتفاح وأشباح، وقناني وأقداح، وعرايس ملاح، ومغانٍ وأفراح، وهرج وصياح، وأقطار فساح، وإخوة نجاح، ورفقة صباح، ومعهم سيوف ورماح، وقسيٌّ ونشَّاب، وأصدقاء وأحباب، وخلان وأصحاب، ومحابس للعقاب، وندماء للشراب، وطنبور ونايات، وأعلام ورايات، وصبيان وبنات، وعرائس مجليات، وجوارٍ مغنيات، وخمس حبشيات، وثلاث هنديات، وأربع مدنيات، وعشرون روميات، وخمسون تركيات، وسبعون عجميات، وثمانون كرديات، وتسعون جرجيات، والدجلة والفرات، وشبكة صياد، وقدَّاحة وزناد، وإرم ذات العماد، وألف علق وقوَّاد، وميادين وإصطبلات، ومساجد وحمامات، وبناء وتجار، وخشبة ومسمار، وعبد أسود بمزمار، ومقدم وراكبدار، ومدن وأمصار، ومائة ألف دينار، والكوفة مع الأنبار، وعشرون صندوقًا ملآنة بالقماش، وخمسون حاصلًا للمعاش، وغزة وعسقلان، ومن دمياط إلى أصوان، وإيوان كسرى أنوشروان، وملك سليمان، ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان، وبلخ وأصبهان، ومن الهند إلى بلاد السودان، وفيه — أطال الله عمر مولانا القاضي — غلائل وعراضي، وألف موسى ماضٍ تحلق ذقن القاضي إن لم يخشَ عقابي، ولم يحكم بأن الجراب جرابي.
فلما سمع القاضي كلام الكردي تحيَّر عقله من ذلك، وقال: ما أراكما إلا شخصين نحسين، أو رجلين زنديقين، تلعبان بالقضاة والحكام، ولا تخشيان من الملام؛ لأنه ما وصف الواصفون، ولا سمع السامعون بأعجب مما وصفتما، ولا تكلم بمثل ما تكلمتما، والله إن من الصين إلى شجرة أم غيلان، ومن بلاد فارس إلى أرض السودان، ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان لا يسع ما ذكرتماه، ولا يُصدَّق ما ادَّعيتماه، فهل هذا الجراب بحر ليس له قرار، ويوم العرض الذي يجمع الأبرار والفجار؟ ثم إن القاضي أمر بفتح الجراب ففتحه، وإذا فيه خبز وليمون، وجبن وزيتون، ثم رميتُ الجراب قدَّام الكردي ومضيت. فلما سمع الخليفة هذه الحكاية من علي العجمي استلقى على قفاه من الضحك، وأحسن جائزته.
حكاية هارون الرشيد وأبي يوسف
ومما يُحكَى أن جعفر البرمكي نادم الرشيد ليلةً، فقال الرشيد: يا جعفر، بلغني أنك اشتريت الجارية الفلانية، ولي مدة أتطلبها؛ فإنها على غاية من الجمال، وقلبي بحبها في اشتغال، فبعها لي. فقال: لا أبيعها يا أمير المؤمنين. فقال: هبها لي. فقال: لا أهبها. فقال الرشيد: زبيدة طالق ثلاثًا إن لم تبعها لي أو تهبها لي. قال جعفر: زوجتي طالق ثلاثًا إن بعتها أو وهبتها لك. ثم أفاقا من نشوتهما، وعلما أنهما وقعَا في أمر عظيم، وعجزَا عن تدبير الحيلة، فقال الرشيد: هذه واقعة ليس لها غير أبي يوسف. فطلبوه، وكان ذلك في نصف الليل، فلما جاء الرسول قام فزعًا وقال في نفسه: ما طُلِبت في هذا الوقت إلا لأمر حدث في الإسلام. ثم خرج مسرعًا وركب بغلته، وقال لغلامه: خذ معك مخلاة البغلة لعلها لم تستوف عليقها، فإذا دخلنا دار الخلافة فضع لها المخلاة حتى تأكل ما بقي من عليقها إلى حين خروجي إذا لم تستوفِ عليقها في هذه الليلة. فقال الغلام: سمعًا وطاعة. فلما دخل على الرشيد قام له، وأجلسه على سريره بجانبه، وكان لا يُجلِس معه أحدًا غيره، وقال له: ما طلبناك في هذا الوقت إلا لأمر مهم وهو كذا وكذا، وقد عجزنا في تدبير الحيلة. فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الأمر أسهل ما يكون. ثم قال: يا جعفر، بِعْ لأمير المؤمنين نصفها، وهَبْ له نصفها، وتبرآن في يمينكما بذلك. فانسرَّ أمير المؤمنين بذلك، وفعلَا ما أمرهما به. ثم قال الرشيد: أحضروا الجارية في هذا الوقت … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.