فلما كانت الليلة ٢٩٩
حكاية جعفر البرمكي والفوَّال
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خالدًا حمد الله وأثنى عليه، وخطب خطبة حسنة، وقال للفتى: قد زوَّجتك هذه الجارية فلانة الحاضرة بإذنها ورضائها وإذن أبيها على هذا المال، وقدره عشرة آلاف درهم. فقال الفتى: قبلت منك هذا التزويج. ثم إن خالدًا أمر بحمل المال إلى دار الفتى مزفوفًا في الصواني، وانصرف الناس وهم مسرورون، فما رأيت يومًا أعجب من ذلك اليوم، أوله بكاء وشرور، وآخِره فرح وسرور.
ومما يُحكَى أن جعفر البرمكي لما صلبه هارون الرشيد، أمر بصلب كلِّ مَن نعاه أو رثاه، فكفَّ الناس عن ذلك، فاتفق أن أعرابيًّا كان ببادية بعيدة، وفي كل سنة يأتي بقصيدة إلى جعفر البرمكي المذكور، فيعطيه ألف دينار جائزة على تلك القصيدة، فيأخذها وينصرف ويستمر ينفق منها على عياله إلى آخِر العام، فجاءه ذلك الأعرابي بالقصيدة على عادته، فلما جاء وجد جعفر مصلوبًا، فجاء إلى المحل الذي هو مصلوب به وأناخ راحلته وبكى بكاءً شديدًا، وحزن حزنًا عظيمًا، وأنشد القصيدة ونام، فرأى جعفر البرمكي في المنام يقول له: إنك قد أتعبت نفسك وجئتنا فوجدتنا على ما رأيت، ولكن توجَّهْ إلى البصرة واسأل عن رجلٍ اسمه كذا وكذا من تجار البصرة وقل له: إن جعفر البرمكي يُقرِئك السلام ويقول لك: أعطني ألف دينار بأمارة الفولة.
فلما انتبه الأعرابي من نومه توجَّهَ إلى البصرة، فسأل عن ذلك التاجر واجتمع به وبلغه ما قاله جعفر في المنام، فبكى التاجر بكاءً شديدًا حتى كاد أن يفارق الدنيا، ثم إنه أكرم الأعرابي وأجلسه عنده وأحسن مثواه، ومكث عنده ثلاثة أيام مكرمًا، ولما أراد الانصراف أعطاه ألفًا وخمسمائة دينار، وقال له: الألف هي المأمور لك بها، والخمسمائة إكرام مني إليك، ولك في كل سنة ألف دينار. وعند انصرافه قال للتاجر: بالله عليك أن تخبرني بخبر الفولة حتى أعرف أصلها. فقال له: أنا كنت في ابتداء الأمر فقير الحال أطوف بالفول الحار في شوارع بغداد وأبيعه حيلة على المعاش، فخرجت في يوم بارد ماطر وليس على بدني ما يقيني من البرد، فتارةً أرتعد من شدة البرد، وتارةً أقع في ماء المطر وأنا في حالة كريهة تقشعر منها الجلود، وكان جعفر في ذلك اليوم جالسًا في قصر مشرف على الشارع، وعنده خواصه ومحاظيه، فوقع نظره عليَّ فرَقَّ لحالي وأرسَلَ إليَّ بعضَ أتباعه، فأخذني إليه وأدخلني عليه، فلما رآني قال لي: بِعْ ما معك من الفول على طائفتي. فأخذت أكيله بمكيال كان معي، فكلُّ مَن أخذ كيلة فول يملؤها ذهبًا حتى فرغ جميع ما معي ولم يَبْقَ في القفة شيء، ثم جمعت الذهب الذي حصل لي على بعضه، فقال لي: هل بقي معك شيء من الفول؟ قلت: لا أدري، ثم فتشت القفة فلم أجد فيها سوى فولة واحدة، فأخذها مني جعفر وفلقها نصفين: فأخذ نصفها وأعطى النصف الثاني لإحدى محاظيه وقال: بكَمْ تشترين نصفَ هذه الفولة؟ فقالت: بقدر هذا الذهب مرتين. فصرتُ متحيِّرًا في أمري وقلت في نفسي: هذا محال. فبينما أنا متعجِّب وإذا بالمحظية أمرت بعض جواريها فأحضرت ذهبًا قدر الذهب المجتمع مرتين، فقال جعفر: وأنا أشتري النصف الذي أخذتُه بقدر الجميع مرتين. ثم قال لي جعفر: خذ ثمن فولك. وأمر بعض خدَّامه فجمع المال كله ووضعه في قفتي، فأخذته وانصرفت، ثم جئتُ إلى البصرة واتجرت بما معي من المال، فوسَّعَ الله عليَّ ولله الحمد والمنة، فإذا أعطيتُكَ في كل سنة ألف دينار من بعض إحسان جعفر، ما ضَرَّني شيء. فانظر مكارم أخلاق جعفر، والثناء عليه حيًّا وميتًا رحمة الله تعالى عليه.
حكاية أبي محمد الكسلان
ومما يُحكَى أن هارون الرشيد كان جالسًا ذات يوم في تخت الخلافة، إذ دخل عليه غلام من الطواشية، ومعه تاج من الذهب الأحمر مرصَّع بالدر والجوهر، وفيه من سائر اليواقيت والجواهر ما لا يفي به مال، ثم إن ذلك الرجل قبَّل الأرض بين يدي الخليفة وقال له: يا أمير المؤمنين، إن السيدة زبيدة … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.
فقالت لها أختها: ما أحسن حديثك، وأطيبه، وأحلاه، وأعذبه! فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك! فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.