فلما كانت الليلة ٣٠١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا محمد الكسلان قال للخليفة: يا أمير المؤمنين اسمع حديثي؛ فإنه عجيب وأمره غريب، لو كُتِب بالإبر على آماق البصر لَكان عبرةً لمَن اعتبر. فقال الرشيد: حدِّث بما عندك، وأخبرني به يا أبا محمد. فقال: اعلم يا أمير المؤمنين أدام الله لك العز والتمكُّن، من أخبار الناس بأني أُعرَف بالكسلان، وأن أبي لم يخلف لي مالًا صدق؛ لأن أبي لم يكن إلا كما ذكرت، فإنه كان حجَّامًا في حمام، وكنتُ أنا في صغري أكسل مَن يوجد على وجه الأرض، وبلغ من كسلي أني إذا كنتُ نائمًا في أيام الحر وطلعت عليَّ الشمس، أكسل عن أن أقوم وأنتقل من الشمس إلى الظل، وأقمت على ذلك خمسة عشر عامًا، ثم إن أبي توفي إلى رحمة الله تعالى، ولم يخلف لي شيئًا، وكانت أمي تخدم الناس وتطعمني وتسقيني وأنا راقد على جنبي. فاتفق أن أمي دخلت عليَّ في بعض الأيام ومعها خمسة دراهم من الفضة، وقالت لي: يا ولدي، بلغني أن الشيخ أبا المظفر عزم على أن يسافر إلى الصين. وكان ذلك الشيخ يحب الفقراء، وهو من أهل الخير، فقالت أمي: يا ولدي، خذ هذه الخمسة دراهم وامضِ بنا إليه، ونسأله أن يشتري لك بها شيئًا من بلاد الصين، لعله يحصل لك فيه ربح من فضل الله تعالى. فكسلت عن القيام معها، فأقسمَتْ بالله إنْ لَمْ أَقُمْ معها إنها لا تُطعِمني ولا تسقيني ولا تدخل عليَّ، بل تتركني أموت جوعًا وعطشًا.
فلما سمعت كلامها يا أمير المؤمنين علمت أنها تفعل ذلك لما تعلم من كسلي، فقلت لها: أقعديني. فأقعدتني وأنا باكي العين، وقلت: ائتيني بمداسي. فأتتني به، فقلت: ضعيه في رجليَّ. فوضعته فيهما، فقلت لها: احمليني حتى ترفعيني عن الأرض. ففعلَتْ ذلك، فقلت: اسنديني حتى أمشي. فصارت تسندني، وما زلت أمشي وأتعثر في أذيالي إلى أن وصلنا إلى ساحل البحر، فسلمنا على الشيخ، وقلت له: يا عم أنت أبو المظفر؟ قال: لبيك. قلت: خذ هذه الدراهم، واشترِ بها لي شيئًا من بلاد الصين، عسى الله أن يربحني فيه. فقال الشيخ أبو المظفر لأصحابه: أتعرفون هذا الشاب؟ قالوا: نعم، هذا يُعرَف بأبي محمد الكسلان، وما رأيناه قطُّ خرج من داره إلا في هذا الوقت. فقال الشيخ أبو المظفر: يا ولدي، هات الدراهم على بركة الله تعالى. ثم أخذ مني الدراهم وقال: باسم الله. ثم رجعت مع أمي إلى البيت، وتوجَّه الشيخ أبو المظفر إلى السفر، ومعه جماعة من التجار، ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بلاد الصين، ثم إن الشيخ باع واشترى، وبعد ذلك توجَّه إلى الرجوع هو ومَن معه بعد قضاء أغراضهم، وساروا في البحر ثلاثة أيام، فقال الشيخ لأصحابه: قفوا بالمركب. فقال التجار: ما حاجتك؟ فقال: اعلموا أن الرسالة التي معي لأبي محمد الكسلان نسيتها، فارجعوا بنا حتى نشتري له بها شيئًا ينتفع به. فقالوا له: سألناك بالله تعالى ألَّا تردنا؛ فإننا قطعنا مسافة طويلة زائدة، وحصل لنا في ذلك أهوال عظيمة ومشقة زائدة. فقال: لا بد لنا من الرجوع. فقالوا: خذ منا أضعاف ربح الخمسة دراهم ولا تردَّنا. فسمع منهم، وجمعوا له مالًا جزيلًا، ثم ساروا حتى أشرفوا على جزيرة فيها خلق كثير فأرسوا عليها، وطلع التجار يشترون منها متجرًا من معادن وجواهر ولؤلؤ وغير ذلك.
ثم رأى أبو المظفر رجلًا جالسًا وبين يديه قرود كثيرة، وبينهم قرد منتوف الشعر، وكانت تلك القرود كلما غفل صاحبهم يمسكون ذلك القرد المنتوف ويضربونه ويرمونه على صاحبهم، فيقوم ويضربهم ويقيِّدهم ويعذبهم على ذلك، فتغتاظ القرود كلها من ذلك القرد ويضربونه، ثم إن الشيخ أبا المظفر لما رأى ذلك القرد حزن عليه ورفق به، فقال لصاحبه: أتبيعني هذا القرد؟ قال: اشترِ. قال: إن معي لصبي يتيم خمسة دراهم، هل تبيعني إياه بها؟ قال له: بعتك، بارك الله لك فيه. ثم تسلَّمَه وأقبضه الدراهم، وأخذ القرد عبيد الشيخ وربطوه في المركب، ثم حلوا وسافروا إلى جزيرة أخرى فأرسوا عليها، فنزل الغطاسون الذين يغطسون على المعادن واللؤلؤ والجوهر وغير ذلك، فأعطاهم التجار دراهم أجرة على الغطاس فغطسوا، فرآهم القرد يفعلون ذلك فحلَّ نفسه من رباطه ونطَّ من المركب وغطس معهم، فقال أبو المظفر: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قد عدم القرد منَّا بخت هذا المسكين الذي أخذناه له. ويئسوا من القرد، ثم طلع جماعة من الغطاسين، وإذا بالقرد طلع معهم، وفي يديه نفائس الجواهر، فرماها بين يدي أبي المظفر، فتعجَّبَ من ذلك وقال: إن هذا القرد فيه سر عظيم. ثم حلوا وسافروا إلى أن وصلوا جزيرةً تُسمَّى جزيرة الزنوج، وهم قوم من السودان يأكلون لحم بني آدم، ورآهم السودان فركبوا عليهم في القوارب وأتوا إليهم، وأخذوا كلَّ مَن في المركب، وكتفوهم وأتوا بهم إلى الملك، فأمرهم بذبح جماعة من التجار، فذبحوهم وأكلوا لحومهم، ثم إن بقية التجار باتوا محبوسين وهم في نكد عظيم، فلما كان وقت الليل قام القرد إلى أبي المظفر وحلَّ قيده، فلما رأى التجار أبا المظفر قد انحلَّ قالوا: عسى الله أن يكون خلاصنا على يدَيْك يا أبا المظفر. فقال لهم: اعلموا أنه ما خلَّصني بإرادة الله تعالى إلَّا هذا القرد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.