فلما كانت الليلة ٣٠٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا المظفر قال: ما خلَّصني بإرادة الله تعالى إلا هذا القرد، وقد خرجت له عن ألف دينار. فقال التجار: نحن كذلك، كل واحد منَّا خرج له عن ألف دينار إن خلَّصنا. فقام القرد إليهم وصار يحل واحدًا بعد واحد حتى حلَّ الجميع من قيودهم، وذهبوا إلى المركب وطلعوا عليها، فوجدوها سالمة ولم ينقص منها شيء، ثم حلُّوا وسافروا، فقال أبو المظفر: يا تجار، أوفوا بالذي قلتم عليه للقرد. فقالوا: سمعًا وطاعة. ودفع له كل واحد منهم ألف دينار، وأخرج أبو المظفر من ماله ألف دينار؛ فاجتمع للقرد من المال شيء عظيم، ثم سافروا حتى وصلوا إلى مدينة البصرة فتلقَّاهم أصحابهم حين طلعوا من المركب، فقال أبو المظفر: أين أبو محمد الكسلان؟ فبلغ الخبر إلى أمي، فبينما أنا نائم إذ أقبلت عليَّ أمي وقالت: يا ولدي، إن الشيخ أبا المظفر قد أتى ووصل إلى المدينة، فقم وتوجَّه إليه وسلِّم عليه، واسأله عن الذي جاء به لك، فلعل الله تعالى يكون قد فتح عليك بشيء. فقلت لها: احمليني عن الأرض، واسنديني حتى أخرج وأمشي إلى ساحل البحر. ثم مشيت وأنا أتعثر في أذيالي حتى وصلت إلى الشيخ أبي المظفر، فلما رآني قال لي: أهلًا بمَن كانت دراهمه سببًا لخلاصي وخلاص هؤلاء التجار بإرادة الله تعالى. ثم قال لي: خذ هذا القرد فإني اشتريته لك، وامضِ به إلى بيتك حتى أجيء إليك. فأخذت القرد بين يدي ومضيت، وقلت في نفسي: والله ما هذا إلَّا متجر عظيم. ثم دخلت بيتي وقلت لأمي: كلما أنام تأمريني بالقيام لأتَّجر، فانظري بعينك هذا المتجر. ثم جلستُ.
فبينما أنا جالس، وإذا بعبيد أبي المظفر قد أقبلوا عليَّ وقالوا لي: هل أنت أبو محمد الكسلان؟ فقلت لهم: نعم. وإذا بأبي المظفر أقبل خلفهم، فقمت إليه وقبَّلت يديه، فقال لي: سِرْ معي إلى داري. فقلت: سمعًا وطاعة. وسرت معه إلى أن دخلت الدار، فأمر عبيده أن يحضروا بالمال، فحضروا به، فقال: يا ولدي، لقد فتح الله عليك بهذا المال من ربح الخمسة دراهم. ثم حملوه في صناديق على رءوسهم، وأعطاني مفاتيح تلك الصناديق، وقال لي: امضِ قدَّام العبيد إلى دارك فإن هذا المال كله لك. فمضيت إلى أمي ففرحت بذلك، وقالت: يا ولدي، لقد فتح الله عليك بهذا المال الكثير، فدع عنك هذا الكسل، وانزل السوق، وبِعْ واشترِ. فتركت الكسل وفتحت دكانًا في السوق، وصار القرد يجلس معي على مرتبتي، فإذا أكلت يأكل معي، وإذا شربت يشرب معي، وصار كل يوم من بكرة النهار يغيب إلى وقت الظهر، ثم يأتي ومعه كيس فيه ألف دينار فيضعه في جانبي ويجلس، ولم يزل على هذه الحالة مدة من الزمان حتى اجتمع عندي مال كثير؛ فاشتريت يا أمير المؤمنين الأملاك والربوع، وغرست البساتين، واشتريت المماليك والعبيد والجواري. فاتفق في بعض الأيام أنني كنت جالسًا والقرد جالس معي على المرتبة، وإذا به التفت يمينًا وشمالًا، فقلت في نفسي: أي شيء خبر هذا؟ فأنطق الله القرد بلسان فصيح، وقال: يا أبا محمد. فلما سمعت كلامه فزعت فزعًا شديدًا، فقال لي: لا تفزع، أنا أخبرك بحالي، إني مارد من الجن، ولكن جئتُك بسبب ضعف حالك، وأنت اليوم لا تدري قدر مالك، وقد وقعت لي عندك حاجة، وهي خير لك. فقلت: ما هي؟ قال: أريد أن أزوجك بصبية مثل البدر. فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال لي: في غد البس قماشك الفاخر، واركب بغلتك بالسرج الذهب، وامضِ إلى سوق العلَّافين، واسأل عن دكان الشريف، واجلس عنده وقل له: إني جئتك خاطبًا راغبًا في ابنتك. فإن قال لك: أنت ليس لك مال ولا حسب ولا نسب. فادفع له ألف دينار، فإن قال لك: زدني. فزده ورغِّبه في المال. فقلت: سمعًا وطاعة، في غد أفعل ذلك إن شاء الله تعالى. قال أبو محمد: فلما أصبحت لبست أفخر قماشي، وركبت البغلة بالسرج الذهب، ثم مضيت إلى سوق العلافين وسألت عن دكان الشريف، فوجدته جالسًا في دكانه، فنزلت وسلَّمت عليه وجلست عنده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.