فلما كانت الليلة ٣٠٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا محمد الكسلان قال: فنزلت وسلَّمت عليه وجلست عنده، وكان معي عشرة من العبيد والمماليك، فقال الشريف: لعل لك عندنا حاجة نفوز بقضائها. فقلت: نعم، لي عندك حاجة. قال: وما حاجتك؟ فقلت: جئتك خاطبًا راغبًا في ابنتك. فقال لي: أنت ليس لك مال ولا حسب ولا نسب. فأخرجت له كيسًا فيه ألف دينار ذهبًا أحمر، وقلت له: هذا حسبي ونسبي، وقد قال ﷺ: «نِعم الحسب المال.» وما أحسن قول مَن قال:
فلما سمع الشريف مني هذا الكلام، وفهم الشعر والنظام، أطرق برأسه إلى الأرض ساعة، ثم رفع رأسه وقال لي: إن كان ولا بد فإني أريد منك ثلاثة آلاف دينار أخرى. فقلت: سمعًا وطاعة. ثم أرسلت بعض المماليك إلى منزلي، فجاء لي بالمال الذي طلبه، فلما رأى ذلك وصل إليه، قام من الدكان وقال لغلمانه: اقفلوها. ثم دعا أصحابه من السوق إلى داره، وكتب كتابي على بنته، وقال لي: بعد عشرة أيام أدخلك عليها. ثم مضيت إلى منزلي وأنا فرحان، فخلوت مع القرد وأخبرته بما جرى لي، فقال: نِعم ما فعلت. فلما قرب ميعاد الشريف، قال لي القرد: إن لي عندك حاجة إن قضيتها لي فلك عندي ما شئتَ. قلت: وما حاجتك؟ قال لي: إن في صدر القاعة التي تدخل فيها على بنت الشريف خزانة، وعلى بابها حلقة من نحاس، والمفاتيح تحت الحلقة، فخذها وافتح الباب تجد صندوقًا من حديد على أركانه أربع رايات من الطلسم، وفي وسط ذلك طشت ملآن من المال، وفي جانبه إحدى عشرة حية، وفي الطشت ديك أفرق أبيض مربوط، وهناك سكين بجنب الصندوق، فخذ السكين واذبح بها الديك، واقطع الرايات وكُب الصندوق، وبعد ذلك اخرج للعروسة وأَزِلْ بكارتها، فهذه حاجتي عندك. فقلت له: سمعًا وطاعة. ثم مضيت إلى دار الشريف فدخلت القاعة، ونظرت إلى الخزانة التي وصفها لي القرد، فلما خلوت بالعروسة تعجَّبْتُ من حُسْنها وجمالها، وقدِّها واعتدالها؛ لأنها لا تستطيع الألسن أن تصف حسنها وجمالها، ثم فرحت بها فرحًا شديدًا.
فلما كان نصف الليل ونامت العروسة، قمت أخذت المفاتيح وفتحت الخزانة، وأخذت السكين وذبحت الديك، ورميت الرايات وقلبت الصندوق، فاستيقظت الصبية فرأت الخزانة قد فُتِحت، والديك قد ذُبِح، فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قد أخذني المارد. فما استتمَّتْ كلامها إلا وقد أحاط المارد بالدار وخطف العروسة، فعند ذلك وقعت الضجة، وإذا بالشريف قد أقبل وهو يلطم على وجهه، وقال: يا أبا محمد، ما هذا الفعل الذي فعلتَه معنا؟ هل هذا جزاؤنا منك؟ وأنا قد عملت هذا الطلسم في هذه الخزنة خوفًا على بنتي من هذا الملعون، فإنه كان يقصد أخذ هذه الصبية من منذ ست سنين، ولا يقدر على ذلك، ولكن ما بقي لك عندنا مقام، فامضِ إلى حال سبيلك. فخرجت من دار الشريف وجئت إلى داري، وفتَّشت على القرد فلم أجده، ولم أرَ له أثرًا؛ فعلمت أنه هو المارد الذي أخذ زوجتي، وتحيَّلَ عليَّ حتى فعلتُ ذلك بالطلسم والديك اللذين كانَا يمنعانه من أخذها، فندمتُ وقطَّعت أثوابي، ولطمت على وجهي، ولم تسعني الأرض؛ فخرجت من ساعتي وقصدت البرية، ولم أزل سائرًا إلى أن أمسى عليَّ المساء ولا أعلم أين أروح. فبينما أنا مشغول الفكر، إذ أقبل عليَّ حيَّتان؛ واحدة سمراء والأخرى بيضاء، وهما يتقاتلان، فأخذت حجرًا من الأرض، وضربت به الحية السمراء فقتلتُها؛ فإنها كانت باغية على البيضاء، ثم ذهبت الحية البيضاء فغابت ساعة، وعادت ومعها عشر حيَّات بيض، فجاءوا إلى الحية التي ماتت وقطَّعوها قطعًا حتى لم يَبْقَ إلا رأسها، ثم مضوا إلى حال سبيلهم، واضطجعت في مكاني من التعب. فبينما أنا مضطجع متفكِّر في أمري، وإذا أنا بهاتف أسمع صوته، ولم أرَ شخصه وهو يقول هذين البيتين:
فلما سمعتُ ذلك لحقني — يا أمير المؤمنين — أمرٌ شديد، وفِكْر ما عليه من مزيد، وإذا بصوت من خلفي أسمعه ينشد هذين البيتين:
فقلت له: بحق معبودك أن تعرِّفني مَن أنت؟ فانقلب ذلك الهاتف في صورة إنسان وقال لي: لا تَخَفْ، فإن جميلك قد وصل إلينا، ونحن قوم من جن المؤمنين، فإن كان لك حاجة فأخبرنا بها حتى نفوز بقضائها. فقلت له: إن لي حاجة عظيمة؛ لأني أُصِبت بمصيبة جسيمة، ومَن الذي حصل له مثل مصيبتي؟ فقال لي: لعلك أبو محمد الكسلان. فقلت: نعم. فقال: يا أبا محمد، أنا أخو الحية البيضاء التي قتلتَ أنت عدوَّها، ونحن أربع إخوة من أب وأم، وكلنا شاكرون لفضلك، واعلم أن الذي كان على صورة القرد وفعل معك المكيدة مارد من مَرَدَة الجن، ولولا أنه تحيَّلَ بهذه الحيلة ما كان يقدر على أخذها أبدًا؛ لأن له مدة طويلة وهو يريد أخذها فيمنعه من ذلك هذا الطلسم، ولو بقي ذلك الطلسم ما كان يمكنه الوصول إليها، ولكن لا تجزع من هذا الأمر، فنحن نوصِّلك إليها، ونقتل المارد؛ فإن جميلك لا يضيع عندنا. ثم إنه صاح صيحة عظيمة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.