فلما كانت الليلة ٣٠٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العفريت قال: فإنَّ جميلك لا يضيع عندنا. ثم إنه صاح صيحة عظيمة بصوت هائل، وإذا بجماعة قد أقبلوا عليه، فسألهم عن القرد، فقال واحد منهم: أنا أعرف مستقرَّه. قال: أين مستقرُّه؟ قال: في مدينة النحاس التي لا تطلع عليها الشمس. فقال: يا أبا محمد، خذ عبدًا من عبيدنا وهو يحملك على ظهره ويعلمك كيف تأخذ الصبية، واعلم أن ذلك العبد مارد من المردة، فإذا حملك لا تذكر اسم الله وهو حاملك؛ فإنه يهرب منك فتقع وتهلك. فقلت: سمعًا وطاعة. وأخذت عبدًا من عبيدهم فانحنى وقال: اركب. فركبت، ثم طار بي في الجو حتى غاب عن الدنيا، ورأيت النجوم كالجبال الرواسي، وسمعت تسبيح الملائكة في السماء؛ كل هذا والمارد يحدِّثني ويفرِّجني ويلهيني عن ذكر الله تعالى.
فبينما أنا كذلك، وإذا بشخص عليه لباس أخضر، وله ذوائب شعر ووجه منير، وفي يده حربة يطير منها الشرر قد أقبل عليَّ وقال لي: يا أبا محمد، قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإلا ضربتك بهذه الحربة. وكانت مهجتي قد تقطَّعت من سكوتي عن ذِكْر الله تعالى، فقلت: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم إن ذلك الشخص ضرب المارد بالحربة فذاب وصار رمادًا، وسقطتُ من فوق ظهره، فصرت أهوي إلى الأرض حتى وقعت في بحرٍ عجاج متلاطم بالأمواج، وإذا بسفينة فيها خمسة أشخاص بحرية، فلما رأوني أتوا إليَّ وحملوني إلى السفينة، وجعلوا يكلمونني بكلام لا أعرفه، فأشرت لهم أني لا أعرف كلامهم، فساروا إلى آخر النهار، ثم رموا شبكة واصطادوا حوتًا، وشووه وأطعموني، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا بي إلى مدينتهم، فدخلوا بي إلى ملكهم وأوقفوني بين يدَيْه، فقبَّلت الأرض فخلع عليَّ، وكان ذلك الملك يعرف العربية، فقال: قد جعلتُكَ من أعواني. فقلتُ له: ما اسم هذه المدينة؟ قال: اسمها هناد، وهي من بلاد الصين. ثم إن الملك سلَّمني إلى وزير المدينة، وأمره أن يفرِّجني في المدينة، وكان أهل تلك المدينة في الزمن الأول كفارًا، فمسخهم الله تعالى حجارة، فتفرجت فيها ولم أرَ أكثر من أشجارها وأثمارها. فأقمت فيها مدة شهر ثم أتيت إلى نهر، وجلست على شاطئه، فبينما أنا جالس وإذا بفارس قد أتى وقال: هل أنت أبو محمد الكسلان؟ فقلت له: نعم. قال: لا تخف فإن جميلك وصل إلينا. فقلت له: مَن أنت؟ قال: أنا أخو الحيَّة، وأنت قريب من مكان الصبية التي تريد الوصول إليها. ثم خلع أثوابه وألبسني إياها، وقال لي: لا تخف؛ فإن العبد الذي هلك من تحتك بعض عبيدنا. ثم إن ذلك الفارس أردفني خلفه، وسار بي إلى برية، وقال: انزل من خلفي، وسر بين هذين الجبلين حتى ترى مدينة النحاس، فقف بعيدًا عنها ولا تدخلها حتى أعود إليك وأقول لك كيف تصنع. فقلت له: سمعًا وطاعة. ونزلت من خلفه ومشيت حتى وصلت إلى المدينة، فرأيت سورها من نحاس، فجعلت أدور حولها لعلي أجد لها بابًا فما وجدت لها.
فبينما أنا أدور حولها، وإذا بأخي الحية قد أقبل عليَّ، وأعطاني سيفًا مطلسمًا حتى لا يراني أحد، ثم إنه مضى إلى حال سبيله، فلم يغب عني إلا قليلًا، وإذا بصياح قد علا، ورأيت خلقًا كثيرًا وأعينهم في صدورهم، فلما رأوني قالوا: مَن أنت؟ وما الذي رماك في هذا المكان؟ فأخبرتهم بالواقعة فقالوا: إن الصبية التي ذكرتها مع المارد في هذه المدينة، وما ندري ما فعل بها، ونحن إخوة الحية. ثم قالوا: امضِ إلى تلك العين وانظر من أين يدخل الماء وادخل معه؛ فإنه يوصلك إلى المدينة. ففعلت ذلك ودخلت مع الماء في سرداب تحت الأرض، ثم طلعت منه فرأيت نفسي في وسط المدينة، ووجدت الصبيَّة جالسةً على سريرٍ من ذهب، وعليها ستارة من ديباج، وحول الستارة بستان فيه أشجار من الذهب، وأثمارها من نفيس الجواهر كالياقوت والزبرجد واللؤلؤ والمرجان، فلما رأتني تلك الصبية عرفتني، وابتدأتني بالسلام، وقالت لي: يا سيدي، مَن أوصلك إلى هذا المكان؟ فأخبرتها بما جرى، فقالت: اعلم أن هذا الملعون من كثرة محبته لي أعلمني بالذي يضره والذي ينفعه، وأعلمني أن في هذه المدينة طلسمًا إنْ شاء هلاك جميع مَن في المدينة أهلكهم به، ومهما أمر العفاريت فإنهم يمتثلون أمره، وذلك الطلسم في عمود. فقلت لها: وأين العمود؟ فقالت: في المكان الفلاني. فقلت: وأي شيء يكون ذلك الطلسم؟ قالت: هو صورة عُقاب، وعليه كتابة لا أعرفها، فخذه بين يديك، وخذ مجمرة نار وارمِ فيه شيئًا من المسك، فيطلع دخان يجذب العفاريت، فإذا فعلت ذلك فإنهم يحضرون بين يديك كلهم، ولا يغيب منهم أحد، ويمتثلون أمرك، ومهما أمرتهم به فإنهم يفعلونه، فقُمْ وافعل ذلك على بركة الله تعالى. فقلت لها: سمعًا وطاعة. ثم قمت وذهبت إلى ذلك العمود، وفعلت جميع ما أمرتني به؛ فجاءت العفاريت وحضرت بين يدي، وقالوا: لبيك يا سيدي، فمهما أمرتنا به فعلناه. فقلت لهم: قيِّدوا المارد الذي جاء بهذه الصبية من مكانها. فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم ذهبوا إلى ذلك المارد وقيَّدوه وشدُّوا وثاقه ورجعوا إليَّ وقالوا: قد فعلنا ما أمرتنا به. فأمرتهم بالرجوع، ثم رجعت إلى الصبية وأخبرتها بما حصل، ثم قلت: يا زوجتي، هل تروحين معي؟ فقالت: نعم. ثم إني طلعت بها من السرداب الذي دخلت منه، وسرنا حتى وصلنا إلى القوم الذي كانوا دلُّوني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.