فلما كانت الليلة ٣٠٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الصبي قال لأبيه: سمعت وأطعت، ثم ماذا؟ قال: يا ولدي، احفظ الله يحفظك، وصن مالك ولا تفرِّط فيه، فإنك إن فرَّطت فيه تحتَجْ إلى أقل الناس، واعلم أن قيمة المرء ما ملكت يمينه، وما أحسن قول الشاعر:
فقال: ثم ماذا؟ قال: يا ولدي، شاور مَن هو أكبر منك سنًّا، ولا تعجل في الأمر الذي تريده، وارحم مَن هو دونك يرحمك مَن هو فوقك، ولا تظلم أحدًا فيسلط الله عليك مَن يظلمك، وما أحسن قول الشاعر:
وقول الآخَر:
وقول الآخر:
وإياك وشرب الخمر، فهو رأس كل شر، وشُربه مُذهِب للعقول، ويزري بصاحبه، وما أحسن قول الشاعر:
فهذه وصيتي لك فاجعلها بين عينيك، والله خليفتي عليك. ثم غشي عليه فسكت ساعة واستفاق فاستغفر الله وتشهَّد، وتوفي إلى رحمة الله تعالى؛ فبكى عليه ولده وانتحب، ثم أخذ في تجهيزه على ما يجب، ومشت في جنازته الأكابر والأصاغر، وصار القراء يقرءون حول تابوته، وما ترك ولده من حقِّه شيئًا إلا وفعله، ثم صلوا عليه وواروه في التراب، وكتبوا على قبره هذين البيتين:
وحزن عليه ولده علي شار حزنًا شديدًا، وعمل عزاءه على عادة الأعيان، واستمر حزينًا على أبيه إلى أن ماتت أمه بعده بمدة يسيرة، ففعل بوالدته مثل ما فعل بأبيه، ثم بعد ذلك جلس في الدكان يبيع ويشتري، ولا يعاشر أحدًا من خلق الله تعالى عملًا بوصية أبيه، واستمر على ذلك مدة سنة، وبعد السنة دخل عليه أولاد النساء الزواني بالحِيَل، وصاحبوه حتى مال معهم إلى الفساد، وأعرض عن طريق الرشاد، وشرب الراح بالأقداح، وإلى الملاح غدا وراح، وقال في نفسه: إن والدي جمع لي هذا المال، وأنا إن لم أتصرَّف فيه فلمَن أخلِّيه؟ والله لا أفعل إلا كما قال الشاعر:
وما زال علي شار يبذل في المال آناء الليل وأطراف النهار حتى أذهَبَ ماله كله وافتقر؛ فساء حاله، وتكدَّر باله، وباع الدكان والأماكن وغيرها، ثم بعد ذلك باع ثياب بدنه، ولم يترك لنفسه غير بدلة واحدة. فلما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وقع في الحسرة، وقعد يومًا من الصبح إلى العصر بغير إفطار، فقال في نفسه: أنا أدور على الذين كنتُ أنفق مالي عليهم، لعل أحدًا منهم يُطعِمني في هذا اليوم. فدار عليهم جميعًا، وكلما طرق باب أحد منهم ينكر نفسه ويتوارى منه حتى أحرقه الجوع، ثم ذهب إلى سوق التجار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.