فلما كانت الليلة ١٥٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملاح صار يجدف لأجل السرعة والجارية معهم، إلى أن قطعوا ذلك الجانب، وعدُّوا إلى البر الثاني، ثم انصرفت الجارية وودعتهما، وطلعا إلى البر، وقالت لهما: كان قصدي ألَّا أفارقكما لكنني لا أقدر أن أسير إلى مكان غير هذا الموضع. ثم إن الجارية عادت، وصار علي بن بكار مطروحًا بين يدي أبي الحسن لا يستطيع النهوض، فقال له أبو الحسن: إن هذا المكان غير أمين، ونخشى على أنفسنا من التلف في هذا المكان بسبب اللصوص وأولاد الحرام. فقام علي بن بكار يتمشى قليلًا وهو لا يستطيع المشي، وكان أبو الحسن له في ذلك الجانب أصدقاء، فقصد مَن يثق به ويركن إليه منهم، فدقَّ بابه فخرج إليه مسرعًا، فلما رآهما رحَّبَ بهما، ودخل بهما إلى منزله، وأجلسهما وتحدث معهما، وسألهما أين كانا. فقال أبو الحسن: قد خرجنا في هذا الوقت، وأحوجنا إلى هذا الأمر إنسان عاملته في دراهم، وبلغني أنه يريد السفر بمالي، فخرجت في هذه الليلة وقصدته واستأنست برفيقي هذا علي بن بكار، وجئنا لعلنا ننظره فتوارى منَّا ولم نره، وعدنا بلا شيء، وشقَّ علينا العود في هذا الليل، ولم نرَ لنا محلًّا غير محلك، فجئنا إليك على عوائدك الجميلة. فرحَّب بهما، واجتهد في إكرامهما، وأقاما عنده بقية ليلتهما.
فلما أصبح الصباح خرجَا من عنده، ولم يزالا يمشيان حتى وصلا إلى المدينة ودخلاها وجازا على بيت أبي الحسن، فحلف على صاحبه علي بن بكار، وأدخله بيته فاضطجعا على الفراش قليلًا، ثم أفاقا، فأمر أبو الحسن غلمانه أن يفرشوا البيت فرشًا فاخرًا ففعلوا، ثم إن أبا الحسن قال في نفسه: لا بد أن أؤانس هذا الغلام وأسليه عمَّا هو فيه، فإني أدرى بأمره. ثم إن علي بن بكار لما أفاق استدعى بماء، فحضروا له بالماء، فقام وتوضأ وصلى ما فاته من الفروض في يومه وليلته، وصار يسلي نفسه بالكلام، فلما رأى منه ذلك أبو الحسن تقدم إليه وقال: يا سيدي علي، الأليق بما أنت فيه أن تقيم عندي هذه الليلة لينشرح صدرك، وينفرج ما بك من كرب الشوق، وتتلاهى معنا. فقال علي بن بكار: افعل يا أخي ما بدا لك، فإني على كل حال غير ناجٍ مما أصابني، فاصنع ما أنت صانع. فقام أبو الحسن واستدعى غلمانه، وأحضر أصحابه، وأرسل إلى أرباب المغاني والآلات، فحضروا وأقاموا على أكل وشرب وانشراح باقيَ اليوم إلى المساء، ثم أوقدوا الشموع، ودارت بينهم كئوس المنادمة، وطاب لهم الوقت، فأخذت المغنية العود وجعلت تقول:
فلما سمع علي بن بكار كلامَ المغنية خرَّ مغشيًّا عليه، ولم يزل في غشيته إلى أن طلع الفجر ويئس منه أبو الحسن، ولما طلع النهار أفاق وطلب الذهاب إلى بيته، فلم يمنعه أبو الحسن خوفًا من عاقبة أمره، فأتاه غلمانه ببغلة وأركبوه، وسار معه أبو الحسن إلى أن أدخله منزله. فلما اطمأن في بيته حمد الله أبو الحسن على خلاصه من هذه الورطة، وصار يسليه، وهو لا يتمالك نفسه من شدة الغرام، ثم إن أبا الحسن ودَّعه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.