فلما كانت الليلة ١٥٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا الحسن ذهب بالجارية إلى دار علي بن بكار، وأوقفها على الباب ودخل البيت، فلما رآه علي بن بكار فرح به، فقال له أبو الحسن: سبب مجيئي أن فلانًا أرسل إليك جاريته برقعة تتضمن سلامه عليك، وذكر فيها أن سبب تأخُّره عنك عذرٌ حصل له، والجارية واقفة بالباب، فهل تأذن لها بالدخول؟ فقال علي: أدخلوها. وأشار له أبو الحسن أنها جارية شمس النهار، ففهم الإشارة، فلما رآها تحرَّكَ وفرح، وقال لها بالإشارة: كيف حال السيد شفاه الله وعافاه؟ فقالت: بخير. ثم أخرجت الورقة ودفعتها له، فأخذها وقبَّلها وقرأها، وناولها لأبي الحسن، فوجد مكتوبًا فيها هذه الأبيات:
وبعدُ؛ فقد كتبت لك كتابًا بغير بنان، ونطقت لك بغير لسان، وجملة شرح حالي إن لي عينًا لا يفارقها السهر، وقلبًا لا تبرح عنه الفِكَر، فكأنني قطُّ ما عرفت صحة ولا فرحة، ولا رأيت منظرًا بهيًّا، ولا قطعت عيشًا هنيًّا، وكأنني خُلِقت من الصبابة، ومن ألم الوَجْد والكآبة، فعليَّ السقام مترادف، والغرام متضاعف، والشوق متكاثر، وصرتُ كما قال الشاعر:
واعلم أن الشكوى لا تطفئ نار البلوى، لكنها تعلل من أعلَّه الاشتياق، وأتلفه الفراق، وأتسلى بذكر لفظ الوصال، وما أحسن قول مَن قال:
قال أبو الحسن: فلما قرأتُها هيَّجت ألفاظها بلابلي، وأصابت معانيها مقاتلي، ثم دفعتها إلى الجارية، فلما أخذتها قال لها علي بن بكار: أبلغي سيدتك سلامي، وعرِّفيها بوَجْدي وغرامي، وامتزاج المحبة بلحمي وعظامي، وأخبريها أنني محتاج إلى مَن ينقذني من بحر الهلاك، وينجيني من هذا الارتباك. ثم بكى فبكت الجارية لبكائه، وودعته وخرجت من عنده، وخرج أبو الحسن معها، ثم ودَّعها ومضى إلى دكانه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.