فلما كانت الليلة ١٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما دخلت على علي بن بكار، تقدَّمَتْ إليه وسلَّمت عليه، وتحدثت معه سرًّا، وصار يقسم في أثناء الكلام ويحلف أنه لم يتكلم بذلك، ثم ودَّعته وانصرفت، وكان الرجل صاحب أبي الحسن جوهريًّا، فلما انصرفت الجارية وجد للكلام محلًّا، فقال لعلي بن بكار: لا شك ولا ريب أن لدار الخلافة عليك مطالبةً، أو بينك وبينها معاملة. فقال: ومَن أعلمك بذلك؟ فقال: معرفتي بهذه الجارية؛ لأنها جارية شمس النهار، وكانت جاءتني من مدة برقعة مكتوب فيها أنها تشتهي عقد جوهر، فأرسلت إليها عقدًا ثمينًا. فلما سمع علي بن بكار كلامه اضطرب حتى خشي عليه التلف، ثم راجع نفسه وقال: يا أخي، سألتك بالله من أين تعرفها؟ فقال له الجوهري: دَعِ الإلحاحَ في السؤال. فقال له علي بن بكار: لا أرجع عنك إلا إذا أخبرتني بالصحيح. فقال له الجوهري: أنا أخبرك بحيث لا يدخلك مني وهم، ولا يعتريك من كلامي انقباض، ولا أخفي عنك سرًّا، وأبين لك حقيقة الأمر، ولكن بشرط أن تخبرني بحقيقة حالك، وسبب مرضك. فأخبره بخبره، ثم قال: والله يا أخي ما حملني على كتمان أمري عن غيرك إلا مخافة أن الناس تكشف أستار بعضها. فقال الجوهري لعلي بن بكار: وأنا ما أردت اجتماعي بك إلا لشدة محبتي وغيرتي عليك، وشفقتي على قلبك من ألم الفراق، عسى أكون لك مؤنسًا نيابةً عن صديقي أبي الحسن مدةَ غيبته، فطِبْ نفسًا وقرَّ عينًا. فشكره علي بن بكار على ذلك، وأنشد هذين البيتين:
ثم إن علي بن بكار سكت ساعة من الزمان، وبعد ذلك قال للجوهري: أتدري ما سرتني به الجارية؟ فقال: لا والله يا سيدي. فقال: إنها زعمت أني أشرت على أبي الحسن بالمسير إلى مدينة البصرة، وأنني دبَّرْتُ بذلك حيلةً لأجل عدم المراسلة والمواصلة، فحلفت لها أن ذلك لم يكن، فلم تصدقني، ومضت إلى سيدتها وهي على ما هي عليه من سوء الظن؛ لأنها كانت تصغي إلى أبي الحسن. فقال الجوهري: يا أخي، إني فهمت من حال هذه الجارية هذا الأمر، ولكن إن شاء الله تعالى أكون عونًا لك على مرادك. فقال له علي بن بكار: وكيف تعمل معها وهي تنفر كوحش الفلاة؟ فقال له: لا بد أن أبذل جهدي في مساعدتك، واحتيالي في التوصُّل إليها من غير كشف ستر ولا مَضَرَّة. ثم استأذن في الانصراف، فقال له علي بن بكار: يا أخي، عليك بكتمان السر. ثم نظر إليه وبكى، فودَّعه وانصرف. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.