فلما كانت الليلة ١٦٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجوهري قال: فأقمت تلك الليلة عند علي بن بكار أسامره إلى أن أصبح الصباح، ثم صليت الصبح، وخرجت من عنده وذهبت إلى منزلي، فما استقررت إلا قليلًا حتى جاءت الجارية وسلَّمت عليَّ، فرددتُ عليها السلام، وحدَّثْتُها بما كان بيني وبين علي بن بكار، فقالت الجارية: اعلم أن الخليفة توجه من عندنا، وأن مجلسنا لا أحدَ فيه، وهو أستر لنا وأحسن. فقلتُ لها: كلامك صحيح، ولكنه ليس كمنزلي هذا، فإنه أستر لنا وأليق بنا. فقالت الجارية: إن الرأي ما تراه أنت، وأنا ذاهبة إلى سيدتي لأخبرها بما ذكرتَ، وأعرض عليها ما قلتَ.
ثم إن الجارية توجَّهَتْ إلى سيدتها، وعرضت عليها الكلام، وعادت إلى منزلي وقالت لي: إن سيدتي رضيت بما قلته. ثم إن الجارية أخرجت من جيبها كيسًا فيه دنانير، وقالت لي: إن سيدتي تسلم عليك، وتقول لك: خذ هذا، واقضِ لنا به ما نحتاج إليه. فأقسمت أني لا أصرف شيئًا منه، فأخذَتْه الجارية وعادت إلى سيدتها، وقالت لها: إنه ما قَبِل الدراهم بل دفعها إليَّ. وبعد رواح الجارية ذهبتُ إلى داري الثانية، وحوَّلتُ إليها من الآلات والفرش ما تحتاج إليه الحال، ونقلتُ إليها أواني الفضة والصيني، وهيأت جميع ما نحتاج إليه من المأكل والمشرب. فلما حضرت الجارية ونظرت ما فعلتُه أعجبها، وأمرتني بإحضار علي بن بكار، فقلت: ما يحضر به إلا أنتِ. فذهبَتْ إليه وأحضرَتْه على أتم حال، وقد راقت محاسنه، فلما جاء قابلتُه ورحَّبتُ به، وأجلستُه على مرتبة تصلح له، ووضعت بين يديه شيئًا من المشموم في بعض الأواني الصيني والبلَّور، وصرت أتحدث معه نحو ساعة من الزمان، ثم إن الجارية مضت، وغابت إلى بعد صلاة المغرب، ثم عادت ومعها شمس النهار ووصيفتان لا غير، فلما رأت علي بن بكار ورآها سقطَا على الأرض مغشيًّا عليهما، واستمرَّا لساعة زمانية، ولما أفاقا أقبلَا على بعضهما، ثم جلسا يتحدثان بكلام رقيق، وبعد ذلك استعملَا شيئًا من الطيب، ثم إنهما صارا يشكران صنعي معهما، فقلت لهما: هل لكما في شيء من الطعام؟ فقالا: نعم. فأحضرت شيئًا من الطعام، فأكلا حتى اكتفيا، ثم غسلا أيديهما، ثم نقلتهما إلى مجلس آخَر، وأحضرت لهما الشراب، فشربَا وسكرَا ومالَا على بعضهما، ثم إن شمس النهار قالت لي: يا سيدي، كمل جميلك، وأحضر لنا عودًا وشيئًا من آلات الملاهي حتى إننا نكمل حظنا في هذه الساعة. فقلت: على رأسي وعيني. ثم إني قمتُ وأحضرتُ عودًا، فأخذته وأصلحته، ثم إنها وضعته في حجرها، وضربت عليه ضربًا جميلًا، ثم أنشدت هذين البيتين:
ثم إنها أخذت في غناء الأشعار حتى حيَّرت الأفكار، بأصوات مختلفات، وإشارات رائقات، وكاد المجلس أن يطير من شدة الطرب، بما أتت فيه من مغانيها بالعجب، ثم قال الجوهري: ولما استقرَّ بنا الجلوس، ودارت بيننا الكئوس، أطربت الجارية بالنغمات، وأنشدت هذه الأبيات:
ثم إن الجوهري تركهما في تلك الدار وانصرف إلى دار سكناه، وبات فيها إلى الصباح، ولما أصبح الصبح صلى فرضه، وشرب القهوة، وجلس يفكر في المسير إليهما في داره الثانية؛ فبينما هو جالس إذ دخل عليه جاره وهو مرعوب، وقال: يا أخي، ما هان عليَّ الذي جرى لك الليلة في دارك الثانية. فقلت له: يا أخي، وأي شيء جرى؟ فأخبرني بما حصل في داري. فقال له: إن اللصوص الذين جاءوا إلى جيراننا بالأمس وقتلوا فلانًا وأخذوا ماله، قد رأوك بالأمس وأنت تنقل حوائجك إلى دارك الثانية، فجاءوا إليها ليلًا، وأخذوا ما عندك، وقتلوا ضيوفك. قال الجوهري: فقمتُ أنا وجاري، وتوجَّهْنا إلى تلك الدار فوجدناها خاليةً، ولم يَبْقَ فيها شيء، فتحيَّرْتُ في أمري، وقلت: أمَّا الأمتعة فلا أبالي بضياعها، وإنْ كنتُ استعرتُ بعضَ أمتعة من أصحابي وضاعت فلا بأس بذلك؛ لأنهم عرفوا عذري بذهاب مالي، ونهب داري، وأما علي بن بكار ومحظية أمير المؤمنين، فأخشى أن يشتهر الأمر بينهما، فيكون ذلك سبب رواح روحي. ثم إن الجوهري التفت إلى جاره، وقال له: أنت أخي وجاري، وتستر عورتي، فما الذي تشير به عليَّ من الأمور؟ فقال الرجل للجوهري: الذي أشير به عليك أن تتربص، فإن الذين دخلوا دارك وأخذوا متاعك قد قتلوا أحسن جماعة من دار الخليفة، وقتلوا جماعة من دار صاحب الشرطة، وأعوان الدولة يدوِّرون عليهم في جميع الطرق، فلعلهم يجدونهم فيحصل مرادك بغير سعي منك. فلما سمع الجوهري هذا الكلام رجع إلى داره التي هو ساكن بها … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.