فلما كانت الليلة ١٦٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري قال لهم: يا قوم اسمعوا كلامي ولا تفعلوا بي مكروهًا، واصبروا وهو يفيق ويخبركم بقصته بنفسه. ثم شددت عليهم وخوَّفتهم من الفضيحة بيني وبينهم، فبينما نحن كذلك وإذا بعلي بن بكار تحرَّك في فراشه، ففرح أهله وانصرف الناس عنه، ومنعني أهله من الخروج من عنده، ثم رشوا ماء الورد على وجهه، فلما أفاق وشمَّ الهواء، صاروا يسألونه عن حاله، فصار يخبرهم ولسانه لا يرد جوابًا بسرعة، ثم أشار إليهم أن يطلقوني لأذهب إلى منزلي، فأطلقوني فخرجت وأنا لا أصدق بالخلاص، وأتيت إلى داري وأنا بين رجلين حتى وصلت إلى أهلي، فلما رأوني على تلك الحالة لطموا على وجوههم، فأومأتُ إليهم بيدي أن اسكتوا، فسكتوا، وانصرف الرجلان إلى حال سبيلهم، وانقلبت على فراشي بقية ليلتي ولم أفق إلى وقت الضحى، فوجدت أهلي مجتمعين حولي يقولون: ما الذي دهاك وبشرِّه رماك؟ فقلت: ائتوني بشيء من الشراب. فجاءوا لي بشراب شربت منه حتى استكفيت، ثم قلت لهم: كان ما كان فانصرفوا إلى حال سبيلهم. ثم اعتذرت إلى أصحابي وسألتهم عن الذي ذهب من داري، هل عاد شيء منه؟ فقالوا: عاد البعض، وسببه أنه جاء إنسان ورماه في باب الدار ولم ننظره.
فسليت نفسي وأقمت في مكاني يومين وأنا لا أقدر على القيام من محلي، ثم قويت نفسي ومشيت حتى دخلت الحمام وأنا قلبي مشغول من جهة ابن بكار وشمس النهار، ولم أسمع لهما خبرًا في تلك المدة، ولم أستطع الوصول إلى دار علي بن بكار، ولم يستقر لي قرار في مكاني خوفًا على نفسي، ثم تبت إلى الله تعالى عما صدر مني وحمدته على سلامتي. وبعد مدة حدثتني نفسي أن أقصد تلك الناحية وأرجع في ساعة، فلما أردت المسير رأيت امرأة واقفة، فتأملتها وإذا هي جارية شمس النهار، فلما عرفتها سرت وهرولت في سيري، فتبعتني فداخلني منها الفزع، وصرت كلما أنظرها يأخذني الرعب منها وهي تقول لي: قف حتى أحدِّثك بشيء. لم ألتفت إليها، ولم أزل سائرًا إلى مسجد في موضع خالٍ من الناس، فقالت لي: ادخل هذا المسجد لأقول لك كلمة، ولا تخف من شيء. وحلَّفتني، فدخلت المسجد ودخلت خلفي، فصليت ركعتين، ثم تقدَّمْتُ إليها وأنا أتأوَّه، وقلت لها: ما بالك؟ فسألتني عن حالي، فحدَّثتها بما وقع لي، وأخبرتها بما جرى لعلي بن بكار، وقلت لها: ما خبرك؟ فقالت: اعلم أني لما رأيت الرجال كسروا باب دارك ودخلوا، خفت منهم وخشيت أن يكونوا من عند الخليفة فيأخذوني أنا وسيدتي فنهلك من وقتنا، فهربت من السطوح أنا والوصيفتان، ورمينا أنفسنا من مكان عالٍ، ودخلنا على قوم فهربنا عندهم حتى وصلنا إلى قصر الخلافة، ونحن على أقبح صفة، ثم أخفينا أمرنا، وصرنا نتقلب على الجمر إلى أن جنَّ الليل، ففتحت باب البحر، واستدعيت الملاح الذي أخرجنا تلك الليلة، وقلت له: إن سيدتي لم نعلم لها خبرًا، فاحملني في الزورق حتى أفتش عليها في البحر؛ لعلي أقع على خبرها. فحملني في الزورق وسار بي، ولم أزل سائرة في البحر حتى انتصف الليل، فرأيت زورقًا أقبل إلى جهة الباب وفيه رجل يجدف، ومعه رجل آخر، وامرأة مطروحة بينهما، وما زال يجدف حتى وصل إلى البر، فلما نزلت المرأة تأملتها فإذا هي شمس النهار، فنزلت إليها وقد اندهشت من الفرحة لما رأيتها بعدما قطعتُ الرجاء منها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.