فلما كانت الليلة ١٦٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت للجوهري: فنزلت إليها وقد اندهشت من الفرح بعد أن قطعتُ الرجاء منها، فلما تقدمت بين يديها أمرتني أن أدفع إلى الرجل الذي جاء بها ألف دينار، ثم حملتها أنا والوصيفتان إلى أن ألقيناها على فراشها، فأقامت تلك الليلة على حالة مكدرة، فلما أصبح الصباح منعت الجواري والخدم من الدخول عليها والوصول إليها ذلك اليوم، وفي ثاني يوم أفاقت مما كان بها، فوجدتها كأنها قد خرجت من مقبرة، فرششت على وجهها ماء الورد، وغيرت ثيابها، وغسلت يديها ورجليها، ولم أزل ألاطفها حتى أطعمتها شيئًا من الطعام، وأسقيتها شيئًا من الأشربة، وهي ليس لها قابلية في شيء من ذلك، فلما شمت الهواء وتوجهت إليها العافية، قلت لها: يا سيدتي، ارفقي بنفسك فقد حصل لك من المشقة ما فيه الكفاية؛ فإنك قد أشرفت على الهلاك. فقالت: والله يا جارية الخير، إن الموت عندي أهون مما جرى لي، فإني كنت مقتولة لا محالة؛ لأن اللصوص لما خرجوا بنا من دار الجوهري سألوني وقالوا: من أنتِ؟ وما شأنك؟ فقلت: أنا جارية من المغنيات. فصدقوني، ثم سألوا علي بن بكار عن نفسه، وقالوا: مَن أنتَ؟ وما شأنك؟ فقال: أنا من عوام الناس. فأخذونا وسرنا معهم إلى أن انتهوا بنا إلى موضعهم، ونحن نسرع في السير معهم من شدة الخوف، فلما استقروا بنا في أماكنهم، تأملوني ونظروا ما عليَّ من الملبوس والعقود والجواهر، فأنكروا أمري وقالوا: إن هذه العقود لا تكن لواحدة من المغنيات. ثم قالوا لي: اصدقينا وقولي لنا الحق، ما قضيتك؟ فلم أرد عليهم جوابًا بشيء، وقلت في نفسي: الآن يقتلونني لأجل ما عليَّ من الحلي والحلل. فلم أنطق بكلمة.
ثم التفتوا إلى علي بن بكار وقالوا له: من أين أنتَ، فإن رؤيتك غير رؤية العوام؟ فسكت، وصرنا نكتم أمرنا ونبكي، فحنن الله علينا قلوب اللصوص، فقالوا لنا: مَن صاحب الدار التي كنتما فيها؟ فقلنا لهم: صاحبها فلان الجوهري. فقال واحد منهم: أنا أعرفه حق المعرفة، وأعرف أنه ساكن في داره الثانية، وعليَّ أن آتيكم به في هذه الساعة. واتفقوا على أن يجعلوني في موضع وحدي، وعلي بن بكار في موضع وحده، وقالوا لنا: استريحَا ولا تخافَا أن ينكشف خبركما، وأنتما في أمان. ثم إن صاحبهما مضى إلى الجوهري، وأتى به، وكشف أمرنا لهم، واجتمعنا عليه. ثم إن رجلًا منهم أحضر لنا زورقًا وأطلعونا فيه، وعدَّوا بنا إلى الجانب الثاني، ورمونا إلى البر وذهبوا؛ فأتت خيالة من أصحاب العسس وقالوا: مَن تكونون؟ فتكلمت مع مقدم العسس، وقلت له: أنا شمس النهار محظية الخليفة، فإني سكرت وخرجت لبعض معارفي من نساء الوزراء، فجاءني اللصوص وأخذوني وأوصلوني إلى هذا المكان، فلما رأوكم فرُّوا هاربين، وأنا قادرة على مكافأتك. فلما سمع كلامي مقدم الخيالة عرفني، ونزل عن مركوبه وأركبني، وفعل كذلك مع علي بن بكار والجوهري، وفي كبدي الآن من أجلهما لهيب النار، لا سيما الجوهري رفيق ابن بكار، فامضي إليه وسلمي عليه، واستخبريه عن علي بن بكار، فلمتها على ما وقع وحذَّرتها وقلت لها: يا سيدتي، خافي على نفسك. فصاحت عليَّ وغضبت من كلامي، ثم قمت من عندها وجئت إليك فلم أجدك، وخشيت من الرواح إلى ابن بكار، فصرت واقفة أرتقبك حتى أسألك عنه، وأعلم ما هو فيه، فأسألك من فضلك أن تأخذ مني شيئًا من المال، فإنك ربما استعرت أمتعة من أصحابك، وضاعت عليك، فتحتاج أن تعوض على الناس ما ذهب لهم من الأمتعة عندك. قال الجوهري: فقلت سمعًا وطاعة، ثم مشيت معها إلى أن أتينا إلى قرب محلي، فقالت لي: قف هنا حتى أعود إليك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.