فلما كانت الليلة ١٦٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت للجوهري: قف هنا حتى أعود إليك. ومضت ثم عادت وهي حاملة المال، فأعطته للجوهري وقالت له: يا سيدي، نجتمع بك في أي محل؟ قال الجوهري: فقلت لها أتوجه إلى داري في هذه الساعة، ونتحمَّل الصعوبة لأجل خاطرك، وأتدبر فيما يوصلك إليه، فإنه يتعذر الوصول إليه في هذا الوقت. ثم ودعتني ومضت، فحملت المال وأتيت به إلى منزلي، وعددت المال فوجدته خمسة آلاف دينار، فأعطيت أهلي منه شيئًا، ومَن كان له عندي شيء أعطيته عوضًا عنه، ثم إني أخذت غلماني وذهبت إلى الدار التي ضاعت منها الأمتعة، وجئت بالنجارين والبنائين فأعادوها إلى ما كانت عليه، وجعلت جاريتي فيها، ونسيت ما جرى لي، ثم تمشيت وأتيت إلى دار علي بن بكار، فلما وصلت إليها أقبل غلمانه عليَّ، وقال لي واحد منهم: إن غلمان سيدي في طلبك ليلًا ونهارًا، ووعدهم أن كلَّ مَن أتاه بك يعتقه، فهم يفتشون عليك، ولم يعرفوا لك موضعًا، وقد رجعَتْ إلى سيدي عافيته، وهو تارةً يفيق وتارةً يستغرق، فلما يفيق يذكرك، ويقول: لا بد أن تحضروه لي لحظة ويعود إلى حال سبيله. قال الجوهري: فمضيت مع الغلام إلى سيده، فوجدته لا يستطيع الكلام، فلما رأيته جلست عند رأسه ففتح عينيه، فلما رآني بكى وقال لي: أهلًا ومرحبًا. ثم سندته وأجلسته وضممته إلى صدري، فقال لي: اعلم يا أخي أني من حين رقدت ما جلست إلا في هذه الساعة، فالحمد لله على مشاهدتك. قال الجوهري: فلم أزل أسنده حتى أوقفته على رجلَيْه، ومشَّيته خطوات، وغيَّرت أثوابه وشرب شرابًا، فلما رأيت عليه علامة العافية، حدَّثته بما كان من الجارية ولم يسمعني أحد. ثم قلت له: شد حيلك فأنا أعرف ما بك. فتبسم، فقلت له: إنك لا تجد إلا ما يسرك ويداويك.
ثم إن علي بن بكار أمر بإحضار الطعام فأحضروه، وأشار إلى غلمانه فتفرقوا، ثم قال لي: يا أخي، هل رأيت ما أصابنا؟ واعتذر لي وسألني عن حالي في هذه المدة، فأخبرته بجميع ما جرى لي من الأول إلى الآخر، فتعجب ثم قال للخدم: ائتوني بكذا. فأتوه بفرش نفيس، وغير ذلك من تعاليق الذهب والفضة أكثر من الذي ضاع لي، وأعطاني جميع ذلك، فأرسلته إلى منزلي وأقمت عنده ليلتي. فلما أسفر الصبح قال لي: اعلم أن لكل شيء نهاية، ونهاية الهوى الموت والوصال، وأنا إلى الموت أقرب، فيا ليتني مت قبل الذي جرى، ولولا أن الله لطف بنا لافتضحنا، ولا أدري ما الذي يوصلني إلى الخلاص مما أنا فيه، ولولا خوفي من الله لعجلت على نفسي بالهلاك، واعلم يا أخي أنني كالطير في القفص، وأن نفسي هالكة من الغصص، ولكن لها وقت معلوم، وأجل محتوم. ثم أفاض دمع العين، وأنشد هذين البيتين:
فلما فرغ من شعره قال له الجوهري: يا سيدي، اعلم أني عزمت على الذهاب إلى داري، فلعل الجارية ترجع إليَّ بخبر. فقال علي بن بكار: لا بأس بذلك، ولكن أسرع بالعود لعندنا لأجل أن تخبرني. قال الجوهري: فودعته وانصرفت إلى داري، فلم يستقر بي الجلوس حتى رأيت الجارية أقبلت، وهي في بكاء ونحيب، فقلت لها: ما سبب ذلك؟ فقالت: يا سيدي، اعلم أنه حل بنا ما حل من أمرٍ نخافه، فإني لما مضيت من عندك بالأمس وجدت سيدتي مغتاظة على وصيفة من الوصيفتين اللتين كانتا معنا تلك الليلة، وأمرت بضربها، فخافت من سيدتها وهربت، فلاقاها بعض الموكلين بالباب، فأخذها وأراد ردَّها إلى سيدتها، فلوحت له بالكلام، فلاطفها واستنطقها عن حالها، فأخبرته بما كنا فيه، فبلغ الخبر إلى الخليفة فأمر بنقل سيدتي شمس النهار وجميع ما لها إلى دار الخلافة، ووكَّل بها عشرين خادمًا، ولم أجتمع بها إلى الآن، ولم أُعلِمها بالسبب، وتوهمت أنه بسبب ذلك، فخشيت على نفسي واحترت، ولم أدرِ كيف أحتال في أمري وأمرها، ولم يكن عندها أحفظ لكتمان السر مني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.