فلما كانت الليلة ١٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري قال: وإذا بامرأة قد قبضت على يدي، فتأملتها فرأيتها الجارية التي كانت تأتي من عند شمس النهار، وقد علاها الانكسار، فلما تعارفنا بكينا جميعًا حتى أتينا إلى تلك الدار، فقلت لها: هل علمت بخبر علي بن بكار؟ فقالت: لا والله. فأخبرتها بخبره وما كان من أمره، ثم إني قلت لها: فكيف حال سيدتك؟ فقالت: لم يقبل فيها أمير المؤمنين قول أحد لشدة محبته لها، وقد حمل جميع أمورها على المحامل الحسنة، وقال لها: يا شمس النهار، أنت عندي عزيزة، وأنا أتحمَّلك على رغم أعدائك. ثم أمر لها بفرش مقصورة مذهبة وحجرة مليحة، وصارت عنده من ذلك في قبول عظيم، فاتفق أنه جلس يومًا من الأيام على جري عادته للشراب، وحضرت المحاظي بين يديه فأجلسهن في مراتبهن، وأجلسها بجانبه، وقد عدمت صبرها وزاد أمرها، فعند ذلك أمَرَ جاريةً من الجواري أن تغني، فأخذت العود وضربت به وجعلت تقول:
فلما سمعت شمس النهار إنشاد تلك الجارية لم تستطع الجلوس، ثم سقطت مغشيًّا عليها، فرمى الخليفة القدح، وجذبها عنده وصاح، وضجت الجواري، وقلبها أمير المؤمنين فوجدها ميتة، فحزن أمير المؤمنين لموتها، وأمر أن يُكسَر ما كان في الحضرة من الآلات والقوانين، وحملها في حجرة بعد موتها، ومكث عندها باقي ليلته، فلما طلع النهار جهَّزها وأمر بغسلها وتكفينها ودفنها، وحزن عليها حزنًا كثيرًا، ولم يسأل عن حالها، ولا عن الأمر الذي كانت فيه. ثم قالت الجارية للجوهري: سألتك بالله أن تعلمني بوقت خروج جنازة علي بن بكار، وأن تحضرني دفنه. فقال لها: أما أنا ففي أي محل شئت تجديني، وأما أنت فمَن يستطيع الوصول إليك في المحل الذي أنت فيه؟ فقالت له: إن أمير المؤمنين لما ماتت شمس النهار، أعتق جواريها من يوم موتها، وأنا من جملتهن، ونحن مقيمات على تربتها في المحل الفلاني. فقمت معها وأتيت إلى المقبرة، وزُرت شمس النهار، ثم مضيت إلى حالي، ولم أزل أنتظر جنازة علي بن بكار إلى أن جاءت، فخرجت له أهل بغداد، وخرجت معهم، فوجدت الجارية بين النساء، وهي أشدهن حزنًا، ولم أرَ جنازة ببغداد أعظم من هذه الجنازة، وما زلنا في ازدحام عظيم إلى أن انتهينا إلى قبره ودفناه، وصرت لا أنقطع عن زيارته، ولا عن زيارة شمس النهار. هذا ما كان من حديثهما، وليس هذا بأعجب من حديث الملك شهرمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.