فلما كانت الليلة ١٧١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شهرمان لما سمع من ولده هذا الكلام، صار الضياء في وجهه ظلامًا، واغتمَّ على عدم مطاوعة ولده قمر الزمان له، ومن محبته له لم يكرِّر عليه الكلام في ذلك ولم يغضبه، بل أقبل عليه وأكرمه ولاطفه بكل ما يجلب المحبة إلى القلب، كل ذلك وقمر الزمان يزداد كل يوم حسنًا وجمالًا، وظرفًا ودلالًا، فصبر الملك شهرمان على ولده سنة كاملة حتى صار كامل الفصاحة والملاحة، وتهتَّكت في حسنه الورى، ويروي لطفه كلَّ نسيم سرى، وصار فتنةً للعشاق، وروضةً للمشتاق، عذب الكلام يُخجِل وجهه بدر التمام، صاحب قدٍّ واعتدال، وظُرف ودلال، كأنه غصن بان، أو قضيب خيزران، ينوب خده عن شقائق النعمان، وقدُّه عن غصن البان، ظريف الشمائل كما قال فيه القائل:
فلما تكاملت سنة أخرى لقمر الزمان ابن الملك شهرمان، دعاه والده إليه وقال له: يا ولدي، أَمَا تسمع مني؟ فوقع قمر الزمان على الأرض بين يدي أبيه هيبةً واستحى منه، وقال له: يا أبي، كيف لا أسمع منك، وقد أمرني الله بطاعتك وعدم مخالفتك؟ فقال له الملك شهرمان: اعلم يا ولدي أني أريد أن أزوِّجك وأفرح بك في حياتي، وأسلطنك في مملكتي قبل مماتي. فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام أطرق رأسه ساعة، وبعد ذلك رفع رأسه وقال: يا أبي، هذا شيء لا أفعله أبدًا ولو سُقيت كأس الردى، وأنا أعلم أن الله فرض عليَّ طاعتك، فبحق الله عليك لا تكلِّفني أمرَ الزواج، ولا تظن أني أتزوَّج طول عمري؛ لأنني قرأت في كتب المتقدمين والمتأخرين، وعرفت جميع ما جرى لهم من المصائب والآفات بسبب فتن النساء ومكرهن غير المتناهي، وما يحدث عنهن من الدواهي، وما أحسن قول الشاعر:
وما أحسن قول الآخر:
فلما سمع الملك شهرمان من ولده قمر الزمان هذا الكلام، وفهم الشعر والنظام، لم يردَّ عليه جوابًا من فرط محبته له، وزادَه من إنعامه وإكرامه، وانفضَّ ذلك المجلس من تلك الساعة، وبعد انفضاض ذلك المجلس طلب الملك شهرمان وزيره واختلى به، وقال له: أيها الوزير … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.