فلما كانت الليلة ١٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك شهرمان سمع كلام الوزير وصبر سنة أخرى حتى حصل يوم موسم، تكامل فيه مجلس الملك بالأمراء والوزراء والحجَّاب وأرباب الدولة والعساكر وأصحاب الصولة، ثم إن الملك أرسل خلف ولده قمر الزمان، فلما حضر قبَّل الأرض بين يديه ثلاث مرات، ووقف مكتِّفًا يديه وراء ظهره قدام أبيه، فقال له أبوه: اعلم يا ولدي أني ما أحضرتك هذه المرة قدام هذا المجلس، وجميع العساكر حاضرون بين أيدينا، إلا لأجل أن آمرك بأمر فلا تخالفني فيه، وذلك أن تتزوج؛ لأني أشتهي أن أزوِّجك بنت ملك من الملوك، وأفرح بك قبل موتي. فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام، أطرق برأسه إلى الأرض ساعة، ثم رفع رأسه إلى أبيه، ولحقه في تلك الساعة جنون الصبا وجهل الشبيبة، وقال له: أما أنا فلا أتزوَّج أبدًا، ولو سُقِيت كئوسَ الردى، وأما أنت فرجل كبير السن صغير العقل، أليس أنك سألتني قبل هذا اليوم مرتين غير هذه المرة في شأن الزواج، وأنا لا أجيبك إلى ذلك! ثم إن قمر الزمان فكَّ كتاف يديه، وشمَّر عن ذراعيه قدَّام أبيه وهو في غيظه، فخجل أبوه واستحى حيث حصل ذلك قدَّام أرباب دولته والعساكر الحاضرين في الموسم، ثم إن الملك شهرمان لحقته شهامة المُلك، فصرخ على ولده فأرعبه، وصرخ على المماليك وأمرهم بمسكه فمسكوه، وأمرهم أن يكتِّفوه فكتَّفوه، وقدَّموه بين يدي الملك وهو مطرق رأسه من الخوف والوجل، وتكلَّل وجهه وجبينه بالعرق، واشتدَّ به الحياء والخجل، فعند ذلك شتمه أبوه وسبَّه، وقال له: ويلك يا ولد الزنا، وتربية الخنا! كيف يكون هذا جوابك لي بين عساكري وجيوشي؟ ولكن أنت إلى الآن ما أدَّبك أحد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.