فلما كانت الليلة ١٣٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن تاج الملوك لما بكى قالت له العجوز: طِبْ نفسًا وقَرَّ عينًا، فلا بد أن أبلِّغَك مقصودَك. ثم قامت وتركته على النار وتوجَّهَتْ إلى السيدة دنيا، فرأتها متغيِّرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك، فناولتها الكتاب، فازدادت غيظًا وقالت للعجوز: أَمَا قلتُ لكِ إنه يطمع فينا؟ فقالت لها: وأيُّ شيء هذا الكلب حتى يطمع فيك؟ فقالت لها السيدة دنيا: اذهبي إليه وقولي له: إنْ راسَلْتَها بعد ذلك ضربَتْ عنقَك. فقالت لها العجوز: اكتبي له هذا الكلام في مكتوب، وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفه. فأخذت ورقةً وكتبَتْ فيها هذا الأبيات:
ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز، فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك، فلما رآها قام على قدميه وقال: لا أعدمني الله بركةَ قدومك. فقالت له العجوز: خذ جواب مكتوبك. فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاءً شديدًا وقال: إني أشتهي مَن يقتلني الآن، فإن القتل أهون عليَّ من هذا الأمر الذي أنا فيه. ثم أخذ دواةً وقلمًا وقرطاسًا وكتب مكتوبًا، ورقم فيه هذين البيتين:
ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال لها: قد أتعبتك بدون فائدة. وأمر عزيزًا أن يدفع لها ألف دينار وقال لها: يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال. فقالت له: يا ولدي، والله ما أشتهي لك إلا الخير، ومرادي أن تكون عندك، فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة، وهي الشمس الطالعة، وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة، وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام، فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام؟ ثم ودَّعَتْه وطيَّبَتْ قلبه وانصرفت.
ولم تزل تمشي حتى دخلت على السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها، فلما جلست عندها حكَّتْ رأسَها وقالت: يا سيدتي، عساك أن تفلِّي شوشتي، فإن لي زمانًا ما دخلت الحمام. فكشفت السيدة دنيا عن مرفقَيْها، وحلَّتْ شعرَ العجوز وصارت تفلِّي شوشتها، فسقطت الورقة من رأسها، فرأتها السيدة دنيا فقالت: ما هذه الورقة؟ فقالت: كأني قعدت على دكان التاجر، فتعلَّقَتْ معي هذه الورقة، هاتيها حتى أوديها له. ففتحتها السيدة دنيا وقرأتها وفهمت ما فيها وقالت للعجوز: هذه حيلة منكِ، ولولا أنكِ ربيتِني لَبطشتُ بك في هذا الوقت، وقد بلاني الله بهذا التاجر، وكلُّ ما جرى لي منه تحت رأسك، وما أدري من أي أرض جاءنا هذا، ولم يقدر أحد من الناس أن يتجاسر عليَّ غيره، وأنا أخاف أن ينكشف أمري، وخصوصًا في رجل ما هو من جنسي ولا من أقراني. فأقبلت العجوز عليها وقالت: لا يقدر أحد أن يتكلَّمَ بهذا الكلام خوفًا من سطوتك وهيبة أبيك، ولا بأس أن تردي له الجواب. فقالت: يا دادتي، إن هذا شيطان، كيف تجاسَرَ على هذا الكلام ولم يَخَفْ من سطوة السلطان؟ وقد تحيَّرْتُ في أمره، فإن أمرتُ بقتله فليس بصواب، وإن تركته ازداد في تجاسُرِه. فقالت لها العجوز: اكتبي له كتابًا لعله ينزجر. فطلبت ورقةً ودواةً وقلمًا، وكتبت له هذه الأبيات:
ثم طوت الورقة ودفعَتْها للعجوز، فأخذتها وتوجَّهت إلى تاج الملوك فأعطتها له، فلما قرأها علم أنها قاسية القلب، وأنه لا يصل إليها، فشكا أمره إلى الوزير وطلب منه حسن التدبير، فقال له الوزير: اعلم أنه ما بقي يفيد فيها غير أنك تكتب لها كتابًا وتدعو عليها فيه. فقال: يا أخي يا عزيز، أكتب لها عن لساني مثل ما تعرف. فأخذ عزيز ورقةً وكتب الأبيات:
ثم إن عزيزًا طوى الكتابَ وناوله لتاج الملوك، فلما قرأه أعجبه، فختمه ثم ناوله للعجوز، فأخذته العجوز وتوجَّهَتْ به إلى أن دخلت على السيدة دنيا، فناولتها إياه، فلما قرأته وفهمت مضمونه، اغتاظت غيظًا شديدًا وقالت: كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس. فصاحت على الجواري والخدام وقالت: امسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم. فنزلوا عليها ضربًا بالنعال حتى غُشِي عليها، فلما أفاقت قالت لها: والله يا عجوز السوء، لولا خوفي من الله تعالى لقتلتُكِ. ثم قالت لهم: أعيدوا عليها الضرب. فضربوها حتى غُشِي عليها، ثم أمرتهم أن يجروها ويرموها خارج الباب، فسحبوها على وجهها ورموها قدام الباب، فلما أفاقت قامت تمشي وتقعد حتى وصلت إلى منزلها وصبرت إلى الصباح، ثم قامت وتمشَّتْ حتى أتت إلى تاج الملوك وأخبرته بجميع ما جرى لها، فصعب عليه ذلك وقال لها: يعزُّ علينا يا أمي ما جرى لك، ولكن كل شيء بقضاء وقدر. فقالت له: طِبْ نفسًا وقَرَّ عينًا، فإني لا أزال أسعى حتى أجمع بينك وبينها، وأوصلك إلى هذه العاهرة التي أحرقتني بالضرب. فقال لها تاج الملوك: أخبريني ما سبب بغضها للرجال. فقالت: لأنها رأت منامًا أوجَبَ ذلك. فقال لها: وما ذلك المنام؟ فقالت: إنها كانت نائمةً ذاتَ ليلةٍ، فرأت صيادًا نصب شَرَكًا في الأرض وبذَرَ حوله قمحًا، ثم جلس قريبًا منه، فلم يَبْقَ شيء من الطيور إلا وقد أتى إلى ذلك الشَّرَك، ورأت في الطيور حمامتين ذكرًا وأنثى، فبينما هي تنظر إلى الشَّرَك، وإذا برِجْل الذكر تعلَّقَتْ في الشَّرَك وصار يختبط، فنفرت عنه جميع الطيور وفرَّتْ، فرجعت إليه امرأته وحامت عليه، ثم تقدَّمَتْ إلى الشَّرَك والصياد غافل، فصارت تنقر العين التي فيها رِجْل الذكر، وصارت تجذبه بمنقارها حتى خلصت رِجْله من الشَّرَك وطارت هي وإياه، فجاء بعد ذلك الصياد وأصلح الشَّرَك وقعد بعيدًا عنه، فلم يمضِ غير ساعة حتى نزلت الطيور وعلق الشَّرَك في الأنثى، فنفرت عنها جميعُ الطيور ومن جملتها الطير الذَّكَر، ولم يَعُدْ لأنثاه، فجاء الصياد وأخذ الطيرة الأنثى وذبحها، فانتبهت مرعوبةً من منامها وقالت: كلُّ ذَكَرٍ مثل هذا ما فيه خير، والرجال جميعهم ما عندهم خير للنساء.
فلما فرغت من حديثها لتاج الملوك قال لها: يا أمي، أريد أن أنظر إليها نظرةً واحدةً، ولو كان في ذلك مماتي، فتحيَّلِي لي بحيلة حتى أنظر إليها. فقالت: اعلم أن لها بستانًا تحت قصرها وهو برسم فرجتها، وإنها تخرج إليه في كل شهر مرة من باب السر وتقعد فيه عشرة أيام، وقد جاء أوانُ خروجها إلى الفرجة، فإذا أرادتَ الخروجَ أجيء إليك وأُعلِمك حتى تخرج وتصادفها، واحرص على أنك لا تفارِق البستانَ، فلعلها إذا رأت حُسْنَك وجمالك يتعلق قلبها بمحبتك، فإن المحبة أعظم أسباب الاجتماع. فقال: سمعًا وطاعة. ثم قام من الدكان هو وعزيز وأخذَا معهما العجوز ومضيَا إلى منزلهما وعرَّفاه لها، ثم إن تاج الملوك قال لعزيز: يا أخي ليس لي حاجة بالدكان، وقد قضيتُ حاجتي منها ووهبتُها لك بجميع ما فيها؛ لأنك تغرَّبْتَ معي وفارقتَ بلادك. فقَبِلَ عزيز منه ذلك ثم جلسَا يتحدثان، وصار تاج الملوك يسأله عن غريب أحواله وما جرى له، وصار هو يخبره بما حصل له، وبعد ذلك أقبلَا على الوزير وأعلماه بما عزم عليه تاج الملوك وقالَا له: كيف العمل؟ فقال: قوموا بنا إلى البستان. فلبس كلُّ واحدٍ منهم أفخرَ ما عنده وخرجوا وخلفهم ثلاثة مماليك، وتوجَّهوا إلى البستان، فرأوه كثيرَ الأشجار غزيرَ الأنهار، ورأوا الخولي جالسًا على الباب فسلَّموا عليه، فردَّ عليهم السلام. فناوله الوزير مائة دينار وقال: أشتهي أن تأخذ هذه النفقة وتشتري لنا شيئًا نأكله، فإننا غرباء ومعي هؤلاء الأولاد، وأردتُ أن أفرجهم. فأخذ البستاني الدنانيرَ وقال لهم: ادخلوا وتفرَّجوا وجميعه ملككم، واجلسوا حتى أحضر لكم بما تأكلون. ثم توجَّه إلى السوق، ودخل الوزير وتاج الملوك وعزيز داخل البستان بعد أن ذهب البستاني إلى السوق، ثم بعد ساعة أتى ومعه خروف مشوي ووضعه بين أيديهم، فأكلوا وغسلوا أيديهم وجلسوا يتحدثون، فقال الوزير: أخبرني عن هذا البستان، هل هو لك أم أنت مستأجره؟ فقال الشيخ: ما هو لي وإنما هو لبنت الملك السيدة دنيا. فقال الوزير: كم لك في كل شهر من الأجرة؟ فقال: دينار واحد لا غير. فتأمَّلَ الوزير في البستان فرأى هناك قصرًا عاليًا، إلا أنه عتيق، فقال الوزير: يا شيخ، أريد أن أعمل هنا خيرًا تذكرني به. فقال: وما تريد أن تفعل من الخير؟ فقال: خذ هذه الثلاثمائة دينار. فلما سمع الخولي بذكر الذهب قال: يا سيدي، مهما شئتَ فافعل. ثم أخذ الدنانير، فقال له: إن شاء الله تعالى نفعل في هذا المحل خيرًا.
ثم خرجوا من عنده وتوجَّهوا إلى منزلهم، وباتوا تلك الليلة. فلما كان من الغد أحضر الوزير مبيضًا ونقاشًا وصائغًا جيدًا، وأحضر لهم جميعَ ما يحتاجون إليه من الآلات، ودخل بهم البستان وأمرهم ببياض ذلك القصر وزخرفته بأنواع النقش، ثم أمر بإحضار الذهب واللازورد وقال للنقاش: اعمل في صدر هذا الإيوان صورة آدمي صياد كأنه نصب شَرَكَه وقد وقعَتْ فيه حمامة واشتبكت بمنقارها في الشَّرَك. فلما نقش النقاش جانبًا وفرغ من نقشه، قال له الوزير: افعل في الجانب الآخَر مثل الأول وصوِّر صورةَ الحمامة في الشَّرَك، وأن الصياد أخذها ووضع السكينَ على رقبتها، واعمل في الجانب الآخَر صورة جارح كبير قد قنص ذَكَرَ الحمام وأنشب فيه مخالبه. ففعل ذلك، فلما فرغ من هذه الأشياء التي ذكرها الوزير، ودَّعوا البستاني، ثم توجَّهوا إلى منزلهم وجلسوا يتحدَّثون، فقال تاج الملوك لعزيز: يا أخي أنشدني بعض الأشعار لعل صدري ينشرح وتزول عني هذه الأفكار، أو يبرد ما بقلبي من لهيب النار. فعند ذلك أطرب عزيز بالنغمات، وأنشد هذه الأبيات:
ثم أفاض العَبَرات، وأنشد هذه الأبيات:
ثم أطرب بالنغمات، وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ عزيز من شعره، تعجَّبَ تاج الملوك من فصاحته وحُسْن روايته، وقال له: قد أزلتَ عني بعضَ ما بي. ثم قال له: إنْ كان يحضرك شيء من جنس هذا، فأَسمِعْني ما حضرك من الشعر الرقيق وطول الحديث. فأطرب بالنغمات وأنشد هذه الأبيات:
هذا ما كان أمر هؤلاء، وأما ما كان من أمر العجوز، فإنها انقطعت في بيتها، واشتاقت بنت الملك إلى الفرجة في البستان وهي لا تخرج إلا بالعجوز، فأرسلت إليها وصالحتها وطيَّبَتْ خاطرها وقالت: إني أريد أن أخرج إلى البستان لأتفرج على أشجاره وأثماره، وينشرح صدري بأزهاره. فقالت لها العجوز: سمعًا وطاعة، ولكن أريد أن أذهب إلى بيتي وألبس أثوابي وأحضر عندك. فقالت لها: اذهبي إلى بيتك ولا تتأخري عني. فخرجت العجوز من عندها وتوجَّهَتْ إلى تاج الملوك وقالت له: تجهَّزْ والبس أفخرَ أثوابك واذهب إلى البستان، وادخل على البستاني وسلِّم عليه ثم اختفِ في البستان. فقال: سمعًا وطاعة. وجعلت بينها وبينه إشارة، ثم توجَّهَتْ إلى السيدة دنيا، وبعد ذهابها قام الوزير وعزيز والبسَا تاجَ الملوك بدلةً من أفخر ملابس الملوك تساوي خمسة آلاف دينار، وشدَّا في وسطه حياصة من الذهب مرصَّعة بالجواهر والمعادن، ثم توجَّهوا إلى البستان. فلما وصلوا إلى باب البستان وجدوا الخولي جالسًا هناك، فلما رآه البستاني نهض له على الأقدام وقابله بالتعظيم والإكرام، وفتح له الباب وقال له: ادخل وتفرج في البستان. ولم يعلم البستاني أن بنت الملك تدخل البستان في هذا اليوم. فلما دخل تاج الملوك لم يلبث إلا مقدار ساعة وسمع ضجة، فلم يشعر إلا والخدم والجواري خرجوا من باب السر، فلما رآهم الخولي ذهب إلى تاج الملوك وأعلَمَه بمجيئها وقال له: يا مولاي، كيف يكون العمل وقد أتَتِ ابنة الملك السيدة دنيا؟ فقال: لا بأس عليك، فإني أختفي في بعض مواضع البستان. فأوصاه البستاني بغاية الاختفاء ثم تركه وراح.
فلما دخلت بنت الملك هي وجواريها والعجوز في البستان، قالت العجوز في نفسها: متى كان الخدم معنا فإننا لا ننال مقصودنا. ثم قالت لابنة الملك: يا سيدتي، إني أقول لك على شيء فيه راحة لقلبك. فقالت السيدة دنيا: قولي ما عندك. فقالت العجوز: يا سيدتي، إن هؤلاء الخدم لا حاجةَ لك بهم في هذا الوقت، ولا ينشرح صدرك ما داموا معنا، فاصرفيهم عنَّا. فقالت السيدة دنيا: صدقتِ. ثم صرفتهم، وبعد قليل تمشَّتْ فصار تاج الملوك ينظر إليها وإلى حُسْنها، وصارت العجوز تسارقها في الحديث إلى أن أوصلَتْها إلى القصر الذي أمر الوزير بنقشه، ثم دخلت ذلك القصر وتفرَّجَتْ على نقشه، وأبصرَتِ الطيورَ والصياد والحمام. فقالت: سبحان الله، إن هذه صفة ما رأيتُه في المنام. وصارت تنظر إلى صور الطيور والصياد والشَّرَك وتتعجَّب، ثم قالت: يا دادتي، إني كنتُ ألوم الرجال وأبغضهم، لكن انظري الصياد كيف ذبح الطيرة الأنثى، وتخلَّصَ الذكرُ وأراد أن يجيء إلى الأنثى ويخلِّصها فقابله الجارح وافترسه! وصارت العجوز تتجاهل عليها وتشاغلها بالحديث إلى أن قربَا من المكان المختفي فيه تاج الملوك، فأشارت إليه العجوز أن يتمشى تحت شبابيك القصر؛ فبينما السيدة دنيا كذلك، إذ لاحت منها التفاتة فرأته وتأمَّلَتْ جمالَه وقدَّه واعتداله، ثم قالت: يا دادتي، من أين هذا الشاب المليح؟ فقالت: لا أعلم به، غير أني أظنُّ أنه ولد ملك عظيم، فإنه بلغ من الحُسْن النهايةَ، ومن الجمال الغاية. فهامت به السيدة دنيا وانحلَّتْ عُرَى عزائمها، وانبهَرَ عقلها من حُسْنه وجماله وقدِّه واعتداله، وتحركت عليها الشهوة. فقالت للعجوز: يا دادتي، إن هذا الشاب مليح. فقالت لها العجوز: صدقتِ يا سيدتي. ثم إن العجوز أشارت إلى ابن الملك أن يذهب إلى بيته، وقد التهبت به نارُ الغرام، وزاد به الوَجْدُ والهيام، فسار وودَّعَ الخولي وانصرف إلى منزله، إلا أنه لم يخالف العجوز، وأخبر الوزير وعزيزًا بأن العجوز أشارت إليه بالانصراف، فصارَا يصبِّرانه ويقولان له: لولا أن العجوز تعلم أن في رجوعك مصلحة، ما أشارت عليك به.
هذا ما كان من أمر تاج الملوك والوزير وعزيز، وأما ما كان من أمر بنت الملك السيدة دنيا، فإنها غلب عليها الغرام، وزاد بها الوَجْدُ والهيام، وقالت للعجوز: أنا ما أعرف اجتماعي بهذا الشاب إلا منك. فقالت لها العجوز: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أنتِ لا تريدين الرجال، وكيف حلَّتْ بك من عشْقِه الأوجال؟ ولكن والله ما يصلح لشبابك إلا هو. فقالت السيدة دنيا: يا دادتي، أسعفيني باجتماعي به ولكِ عندي ألف دينار، وخلعة بألف دينار، وإنْ لم تسعفيني بوصاله فإني ميتة لا محالة. فقالت العجوز: امضِ أنتِ إلى قصرك وأنا أتسبَّبُ في اجتماعكما، وأبذل روحي في مرضاتكما. ثم إن السيدة دنيا توجَّهَتْ إلى قصرها وتوجَّهَتِ العجوز إلى تاج الملوك. فلما رآها، نهض لها على الأقدام، وقابلها بإعزاز وإكرام، وأجلسها إلى جانبه. فقالت له: إن الحيلة قد تمَّتْ. وحكت له ما جرى لها مع السيدة، فقال لها: متى يكون الاجتماع؟ قالت: في غد. فأعطاها ألف دينار وحلة بألف دينار، فأخذتهما وانصرفت، وما زالت سائرة حتى دخلت على السيدة دنيا، فقالت لها: يا دادتي، ما عندك من خبر الحبيب؟ فقالت لها: قد عرفت مكانه، وفي غدٍ أكون به عندك. ففرحت السيدة دنيا بذلك وأعطتها ألف دينار وحلة بألف دينار. فأخذتها وانصرفت إلى منزلها وباتت فيه إلى الصباح، ثم خرجت وتوجَّهَتْ إلى تاج الملوك وألبسَتْه لبسَ النساء، وقالت له: امشِ خلفي وتمايَلَ في خطواتك ولا تستعجل في مشيك، ولا تلتفت إلى مَن يكلِّمك.
وبعد أن أوصت تاج الملوك بهذه الوصية، خرجت وخرج خلفها وهو في زيِّ النسوان، وصارت تعلِّمه في الطريق حتى لا يفزع، ولم تزل ماشية وهو خلفها حتى وصلَا إلى باب القصر، فدخلت وهو وراءها وصارت تخترق الأبواب والدهاليز إلى أن جاوزت به سبعة أبواب، ولما وصلت إلى الباب السابع، قالت لتاج الملوك: قوِّ قلبك، وإذا زعقتُ عليك وقلتُ لك: يا جارية اعبري، فلا تتوانَ في مشيك وهروِلْ، فإذا دخلتَ الدهليز، فانظر إلى شمالك ترى إيوانًا فيه أبواب، فعدَّ خمسةَ أبواب وادخل الباب السادس، فإن مرادك فيه. فقال تاج الملوك: وأين تروحين أنتِ؟ فقالت له: ما أروح موضعًا، غير أني ربما أتأخَّر عنك وأتحدَّث مع الخادم الكبير. ثم مشت وهو خلفها حتى وصلت إلى الباب الذي فيه الخادم الكبير، فرأى معها تاج الملوك في صورة جارية، فقال لها: ما شأن هذه الجارية التي معكِ؟ فقالت له: هذه جارية قد سمعَتِ السيدة دنيا بأنها تعرف الأشغال وتريد أن تشتريها، فقال لها الخادم: أنا لا أعرف جارية ولا غيرها، ولا يدخل أحد حتى أفتِّشه كما أمرني الملك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.