فلما كانت الليلة ١٧٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العفريت دهنش بن شمهورش قال للعفريتة ميمونة: وأما ما وراء ذلك فإني تركته؛ لأنه تقصُر عنه العبارة، ولا تفي به إشارة، وأبو تلك الصبية ملك جبار فارس كرَّار، يخوض بحار الأقطار في الليل والنهار، لا يهاب الموت، ولا يخاف الفوت؛ لأنه جائر ظلوم، وقاهر غشوم، وهو صاحب جيوش وعساكر، وأقاليم وجزائر، ومدن ودُور، واسمه الملك الغيور، صاحب الجزائر والبحور والسبعة قصور، وكان يحب ابنته هذه التي وصفتها لك حبًّا شديدًا، ومن محبته لها جلب أموال سائر الملوك، وبنى لها بذلك سبعة قصور، كل قصر من جنس مخصوص؛ القصر الأول من البلَّور، والقصر الثاني من الرخام، والقصر الثالث من الحديد الصيني، والقصر الرابع من الجزع والفصوص، والقصر الخامس من الفضة، والقصر السادس من الذهب، والقصر السابع من الجواهر، وملأ السبعة قصور من أنواع الفرش الفاخر، وأواني الذهب والفضة، وجميع الآلات من كل ما تحتاج إليه الملوك، وأمر ابنته أن تسكن في كل قصر مدة من السنة، ثم تنتقل منه إلى قصرٍ غيره، واسمها الملكة بدور.
فلما اشتهر حسنها، وشاع في البلاد ذكرها، أرسل سائر الملوك إلى أبيها يخطبونها منه، فراودها في أمر الزواج فكرهت ذلك، وقالت لأبيها: يا والدي، ليس لي غرض في الزواج أبدًا، فإني سيدة وملكة، أحكم على الناس ولا أريد رجلًا يحكم عليَّ. وكلما امتنعت من الزواج زادت رغبة الخُطَّاب فيها، ثم إن جميع ملوك جزائر الصين الجوانية أرسلوا إلى أبيها الهدايا والتحف، وكاتبوه في أمر زواجها، فكرَّر عليها أبوها المشاورة في أمر الزواج مرارًا عديدة، فخالفته وغضبت منه، وقالت له: يا أبي، إن ذكرت لي الزواج مرة أخرى، أخذت السيف ووضعتُ قائمَه في الأرض وذبابته في بطني، واتكأت عليه حتى يطلع من ظهري وأقتل نفسي. فلما سمع أبوها منها هذا الكلام، صار الضياء في وجهه ظلامًا، واحترق قلبه عليها غاية الاحتراق، وخشي أن تقتل نفسها، وتحيَّر في أمرها وفي أمر الملوك الذين خطبوها منه، فقال لها: إن كان لا بد من عدم زواجك، فامتنعي من الدخول والخروج. ثم إن أباها أدخلها البيت وحجبها فيه، واستحفظ عليها عشر عجائز قهرمانات، ومنعها من أن تظهر إلى السبعة قصور، وأظهر أنه غضبان عليها، وأرسل كاتَبَ الملوك جميعهم وأعلمهم أنها أُصِيبت بجنون في عقلها، ولها الآن سنة وهي محجوبة.
ثم قال العفريت دهنش للعفريتة: وأنا يا سيدتي أتوجه إليها في كل ليلة فأنظرها وأتملى بوجهها، وأقبِّلها وهي نائمة بين عينيها، ومن محبتي فيها لا أضرها ولا أركبها؛ لأن جمالها بارع، وكل مَن رآها يغار عليها من نفسه، وأقسمتُ عليكِ يا سيدتي أن ترجعي معي وتنظري حسنها وجمالها، وقدَّها واعتدالها، وبعد هذا إنْ شئتِ أن تعاقبيني أو تأسريني فافعلي، فإن الأمر أمرك والنهي نهيك. ثم إن العفريت دهنشًا أطرق رأسه إلى الأرض، وخفض أجنحته إلى الأرض. فقالت له العفريتة ميمونة بعد أن ضحكت من كلامه، وبصقت في وجهه: أي شيء هذه البنت التي تقول عنها؟ فما هي إلا قوارة بول، فكيف لو رأيتَ معشوقي؟ والله إني حسبتُ أن معك أمرًا عجيبًا أو خبرًا غريبًا يا ملعون، إني رأيت إنسانًا في هذه الليلة، لو رأيته ولو في المنام لانفلجت عليه وسالت ريالتك. فقال لها دهنش: وما حكاية هذا الغلام؟ فقالت له: اعلم يا دهنش أن هذا الغلام قد جرى له مثل ما جرى لمعشوقتك التي ذكرتها، وأمره أبوه بالزواج مرارًا عديدة فأبى، فلما خالَفَ أباه غضب عليه وسجنه في البرج الذي أنا ساكنة فيه، فطلعت في هذه الليلة فرأيته. فقال لها دهنش: يا سيدتي، أريني هذا الغلام لأنظر هل هو أحسن من معشوقتي الملكة بدور أم لا؛ لأني ما أظن أن يوجد في الزمان مثل معشوقتي. فقالت له العفريتة: تكذب يا ملعون، يا أنحس المَرَدة وأحقر الشياطين، فأنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقي مثيل في هذه الديار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.