فلما كانت الليلة ١٨٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العفريتة ميمونة قالت للعفريت دهنش: أنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقي مثيل في هذه الديار، فهل أنت مجنون حتى تقيس معشوقتك بمعشوقي؟ فقال لها: بالله عليك يا سيدتي أن تذهبي معي وتنظري معشوقتي، وأرجع معك وأنظر معشوقك. فقالت له ميمونة: لا بد من ذلك يا ملعون؛ لأنك شيطان مكار، ولكن لا أجيء معك ولا تجيء معي إلا برهن؛ فإن طلعت معشوقتك التي أنت تحبها وتتغالى فيها، أحسن من معشوقي الذي أنا أحبه وأتغالى فيه، فإن ذلك الرهن يكون لك عليَّ، وإن طلع معشوقي أحسن فإن ذلك الرهن يكون لي عليك. فقال لها العفريت دهنش: يا سيدتي، قبلت منك هذا الشرط ورضيت به، تعالي معي إلى الجزائر. فقالت له ميمونة: فإن موضع معشوقي أقرب من موضع معشوقتك، وها هو تحتنا، فانزل معي لننظر معشوقي ونروح بعد ذلك إلى معشوقتك. فقال لها دهنش: سمعًا وطاعة. ثم انحدرَا إلى أسفل ونزلَا في دور القاعة التي في البرج، وأوقفت ميمونة دهنشًا بجنب السرير، ومدت يدها ورفعت الملاءة عن وجه قمر الزمان ابن الملك شهرمان؛ فسطع وجهه وأشرق ولمع وزها، فنظرته ميمونة والتفتت من وقتها إلى دهنش وقالت له: انظر يا ملعون ولا تكن أقبح مجنون، فنحن بنات وبه مفتونات. فعند ذلك التفت إليه دهنش واستمرَّ يتأمل فيه ساعة، ثم حرك رأسه وقال لميمونة: والله يا سيدتي إنك معذورة، ولكن بقي شيء آخَر، وهو أن حال الأنثى غير حال الذكر، وحق الله إن معشوقك هذا أشبه الناس بمعشوقتي في الحسن والجمال، والبهجة والكمال، وهما الاثنان كأنهما قد أُفرِغَا في قالب الحسن سواء.
فلما سمعت ميمونة من دهنش هذا الكلام، صار الضياء في وجهها ظلامًا، ولطمته بجناحها على رأسه لطمة قوية كادت أن تقضي عليه من شدتها، وقالت له: قسمًا بنور وجه جلاله أن تروح يا ملعون في هذه الساعة وتحمل معشوقتك التي تحبها وتجيء بها سريعًا إلى هذا المكان، حتى نجمع بين الاثنين، وننظرهما وهما نائمان بالقرب من بعضهما، فيظهر لنا أيهما أملح، وإن لم تفعل ما أمرتُكَ به في هذه الساعة يا ملعون، أحرقتك بناري، ورميتك بشرر أشراري، ومزَّقتك قطعًا في البراري، وجعلتك عبرة للمقيم والساري. فقال لها دهنش: يا سيدتي لكِ عليَّ ذلك، وأنا أعرف أن محبوبتي أحسن وأحلى. ثم إن العفريت دهنشًا طار من وقته وساعته، وطارت ميمونة معه من أجل المحافظة عليه، فغابَا ساعة زمانية، ثم أقبل الاثنان بعد ذلك وهما حاملان تلك الصبية، وعليها قميص بندقي رفيع بطرازين من الذهب، وهو مزركش ببدائع التطريزات، ومكتوب على رأسه كمية هذه الأبيات:
ثم إنهما نزلا بتلك الصبية ومدَّدَاها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.