قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العفريت والعفريتة نزلَا بتلك
الصبية ومدَّدَاها بجانب الغلام وكشفَا عن وجْهَي الاثنين، فكانَا أشبه
الناس ببعضهما، فكأنهما توءمان أو أخوان منفردان، وهما فتنة للمتقين،
كما قال فيهما الشاعر المبين:
وصار دهنش وميمونة ينظران إليهما، فقال دهنش: إن معشوقتي أحسن. قالت
له ميمونة: بل معشوقي أحسن، ويلك يا دهنش! هل أنت أعمى؟ أَمَا تنظر إلى
حسنه وجماله، وقدِّه واعتداله؟ فاسمع ما أقوله في محبوبي، وإن كنتَ
محبًّا صادقًا لمَن تعشقها، فقُلْ فيها مثل ما أقول في محبوبي. ثم إن
ميمونة قبَّلَتْ قمر الزمان قُبُلًا عديدة، وأنشدت هذه القصيدة:
مَا لِي وَلِلَّاحِي عَلَيْكَ يَعْنُفُ
كَيْفَ السُّلُوُّ وَأَنْتَ غُصْنٌ أَهْيَفُ
لَكَ مُقْلَةٌ كَحْلَاءُ تَنْفُثُ سِحْرَهَا
مَا لِلْهَوَى الْعُذْرِيِّ عَنْهَا مَصْرِفُ
تُرْكِيَّةُ الْأَلْحَاظِ تَفْعَلُ
بِالْحَشَا
مَا لَيْسَ يَفْعَلُهُ الصَّقِيلُ
الْمُرْهَفُ
حَمَّلَتْنِي ثِقْلَ الْغَرَامِ وَإِنَّنِي
بِالْعَجْزِ عَنْ حَمْلِ الْقَمِيصِ
لَأَضْعَفُ
وَجْدِي عَلَيْكَ كَمَا عَلِمْتَ وَلَوْعَتِي
طَبْعٌ وَعِشْقِي فِي سِوَاكَ تَكَلُّفُ
لَوْ أَنَّ قَلْبِي مِثْلُ قَلْبِكَ لَمْ
أَبِتْ
وَالْجِسْمُ مِنِّي مِثْلُ خَصْرِكَ مُنْحَفُ
وَيْلَاهُ مِنْ قَمَرٍ بِكُلِّ مَلَاحَةٍ
بَيْنَ الْأَنَامِ وَكُلِّ حُسْنٍ يُوصَفُ
قَالَ الْعَوَاذِلُ فِي الْهَوَى مَنْ ذَا
الَّذِي
أَنْتَ الْكَئِيبُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُمْ
صِفُوا
يَا قَلْبَهُ الْقَاسِي تَعَلَّمْ عَطْفَةً
مِنْ قَدِّهِ فَعَسَى يَرِقُّ وَيَعْطِفُ
لَكَ يَا أَمِيرِي فِي الْمَلَاحَةِ نَاظِرٌ
يَسْطُو عَلَيَّ وَحَاجِبٌ لَا يُنْصِفُ
كَذَبَ الَّذِي ظَنَّ الْمَلَاحَةَ كُلَّهَا
فِي يُوسُفٍ كَمْ فِي جَمَالِكَ يُوسُفُ
الْجِنُّ تَخْشَانِي إِذَا قَابَلْتُهَا
وَأَنَا إِذَا أَلْقَاكَ قَلْبِي يَرْجُفُ
أَتَكَلَّفُ الْإِعْرَاضَ عَنْكَ مَهَابَةً
وَإِلَيْكَ أَصْبُو جَهْدَ مَا أَتَكَلَّفُ
وَالشَّعْرُ أَسْوَدُ وَالْجَبِينُ
مُشَعْشِعٌ
وَالطَّرْفُ أَحْوَرُ وَالْقَوَامُ
مُهَفْهَفُ
فلما سمع دهنش شعر ميمونة في معشوقها، طرب غاية الطرب وتعجَّب. وأدرك
شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.