فلما كانت الليلة ١٨٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان قال في نفسه: إن شاء الله إذا جاء الصبح أقول لأبي: زوِّجني بها. ولا أترك نصف النهار يفوت حتى أفوز بوصلها، وأتملَّى بحسنها وجمالها. ثم إن قمر الزمان مال إلى بدور ليقبِّلها، فارتعدت ميمونة الجنية وخجلت، وأما العفريت دهنش فإنه طار من الفرح. ثم إن قمر الزمان لما أراد أن يقبِّلها في فمها استحى من الله، ولفت وجهه وقال في نفسه: أنا أصبر لئلا يكون والدي لما غضب عليَّ وحبسني في هذا الموضع، جاء لي بهذه العروسة وأمرها بالنيام جنبي ليمتحنني بها، وأوصاها أني إذا نبَّهتها لا تستيقظ، وقال لها: أي شيء فعل بك قمر الزمان فأعلميني به. وربما يكون والدي واقفًا مستخفيًا في مكان بحيث يطلع عليَّ وأنا لا أنظره، فينظر جميع ما أفعله بهذه الصبية، وإذا أصبح يوبِّخني ويقول لي: كيف تقول ما لي أرب في الزواج، وأنت قبَّلت تلك الصبية وعانقتها؟ فأنا أكفُّ نفسي عنها لئلا ينكشف أمري مع والدي، فأنا لا ألمس هذه الصبية من تلك الساعة ولا ألتفت لها، غير أني آخذ لي منها شيئًا يكون أمارة عندي وتذكرة لها، حتى يبقى بيني وبينها إشارة. ثم إن قمر الزمان رفع كف الصبية، وأخذ خاتمها من خنصرها، وهو يساوي جملةً من المال؛ لأن فصَّه من نفيس الجواهر، ومنقوش في دائرته هذه الأبيات:
ثم إن قمر الزمان نزع ذلك الخاتم من خنصر الملكة بدور، ولبسه في خنصره، وأدار ظهره إليها ونام. ففرحت ميمونة الجنية لما رأت ذلك، وقالت لدهنش وقشقش: هل رأيتما محبوبي قمر الزمان، وما فعله من العفة عن هذه الصبية؟ فهذا من كمال محاسنه، فانظرَا كيف رأى هذه الصبية وحسنها وجمالها ولم يعانقها، ولم يملِّس بيده عليها، بل أدار ظهره إليها ونام. فقالَا لها: قد رأينا ما صنع من الكمال. فعند ذلك انقلبت ميمونة وجعلت نفسها برغوثًا، ودخلت ثياب بدور محبوبة دهنش، ومشت على ساقها، وطلعت على فخذها، ومشت تحت سُرَّتها مقدار أربعة قراريط ولدغتها، ففتحت عينيها، واستوت قاعدة، فرأت شابًّا نائمًا بجانبها وهو يغطُّ في نومه، وله خدود كشقائق النعمان، ولواحظ تُخجِل الحورَ الحسان، وفم كأنه خاتم سليمان، وريقه حلو المذاق، وأنفع من الترياق، كما قال فيه بعض واصفيه:
ثم إن الملكة بدور لما رأت قمر الزمان، أخذها الهيام، والوجد والغرام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.