فلما كانت الليلة ١٨٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملكة بدور نامت بجانب قمر الزمان، وجرى منها ما جرى. فلما رأت ذلك ميمونة فرحت غاية الفرح، وقالت لدهنش: هل رأيت يا ملعون كيف فعلت معشوقتك من الوله بمعشوقي؟ وكيف فعل معشوقي من التيه والدلال؟ فلا شك أن معشوقي أحسن من معشوقتك، ولكن عفوت عنك. ثم كتبت له ورقةً بالعتق، والتفتت إلى قشقش وقالت له: ادخل معه، واحمل معشوقته، وساعده على وصولها إلى مكانها؛ لأن الليل مضى، وفاتني مطلوبي. فتقدَّمَ دهنش وقشقش إلى الملكة بدور، ودخلَا تحتها وحملاها، وطارَا بها وأوصلاها إلى مكانها، وأعاداها إلى فراشها، واختلت ميمونة بالنظر إلى قمر الزمان وهو نائم، حتى لم يبقَ من الليل إلا القليل، ثم توجَّهت إلى حال سبيلها.
فلما انشقَّ الفجر انتبه قمر الزمان من منامه، والتفت يمينًا وشمالًا فلم يجد الصبية عنده، فقال في نفسه: ما هذا الأمر؟ كأن أبي يرغِّبني في الزواج بالصبية التي كانت عندي، ثم أخذها سرًّا لأجل أن تزداد رغبتي في الزواج. ثم صرخ على الخادم الذي هو نائم على الباب، وقال له: ويلك يا ملعون قم! فقام الخادم وهو طائش العقل من النوم، ثم قدم له الطشت والإبريق، فقام قمر الزمان ودخل المستراح، وقضى حاجته وخرج، فتوضأ وصلى الصبح، وجلس يسبح الله، ثم نظر إلى الخادم فوجده واقفًا في خدمته بين يديه، فقال له: ويلك يا صواب! من جاء هنا وأخذ الصبية من جنبي وأنا نائم؟ فقال له الخادم: يا سيدي، أي شيء الصبية؟ فقال قمر الزمان: الصبية التي كانت نائمة عندي في هذه الليلة. فانزعج الخادم من كلام قمر الزمان، وقال له: لم يكن عندك صبية ولا غيرها، ومن أين دخلت الصبية وأنا نائم وراء الباب وهو مقفول؟ والله يا سيدي ما دخل عليك ذكر ولا أنثى. فقال له قمر الزمان: تكذب يا عبد النحس، وهل وصل من قدرك أنت الآخر أنك تخادعني ولا تخبرني أين راحت هذه الصبية التي كانت نائمة عندي في هذه الليلة، ولم تخبرني بالذي أخذها من عندي؟ فقال الطواشي وقد انزعج منه: والله يا سيدي ما رأيت صبية ولا صبيًّا. فغضب قمر الزمان من كلام الخادم وقال له: إنهم علَّموك الخداع يا ملعون، فتعال عندي. فتقدَّمَ الخادم إلى قمر الزمان فأخذ بأطواقه، وضرب به الأرض فضرط، ثم برك عليه قمر الزمان ورفصه برجله، وخنقه حتى غشي عليه، ثم بعد ذلك ربطه في سلبة البئر وأدلاه فيه إلى أن وصل إلى الماء وأرخاه، وكانت تلك الأيام أيام برد وشتاء قاطع، فغطس الخادم في الماء، ثم نشله قمر الزمان وأرخاه، وما زال يغطِّس ذلك الخادم في الماء وينشله منه، والخادم يستغيث ويصرخ ويصيح، وقمر الزمان يقول له: والله يا ملعون، ما أطلعك من هذه البئر حتى تخبرني بخبر هذه الصبية وقضيتها، ومَن الذي أخذها وأنا نائم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.