فلما كانت الليلة ١٨٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخادم قال لقمر الزمان: أنقذني من البئر يا سيدي، وأنا أخبرك بالصحيح. فجذبه من البئر وأطلعه وهو غائب عن الوجود من شدة ما قاساه من الغرق والغطاس، والبرد والضرب والعذاب، وصار يرتعد مثل القصبة في الريح العاصف، واشتبكت أسنانه في بعضها، وابتلَّتْ ثيابه بالماء، فلما رأى الخادم نفسه على وجه الأرض قال له: دعني يا سيدي أروح وأقلع ثيابي وأعصرها وأنشرها في الشمس وألبس غيرها، ثم أحضر إليك سريعًا وأخبرك بأمر تلك الصبية، وأحكي لك حكايتها. فقال له قمر الزمان: والله يا عبد النحس، لولا أنك عاينت الموت ما أقررت بالحق، فاخرج لقضاء أغراضك وعُد إليَّ بسرعة، واحكِ لي حكاية الصبية وقصَّتها.
فعند ذلك خرج الخادم وهو لا يصدق بالنجاة، ولم يزل يجري إلى أن دخل على الملك شهرمان أبي قمر الزمان، فوجد الوزير بجانبه، وهما يتحدثان في أمر قمر الزمان، فسمع الملك يقول للوزير: إني ما نمت في هذه الليلة من اشتغال قلبي بولدي قمر الزمان، وأخشى أن يجري له شيء من هذا البرج العتيق، وما كان في سجنه شيء من المصلحة. فقال له الوزير: لا تَخَفْ عليه، والله لا يصيبه شيء، ودعه مسجونًا شهر زمان حتى تلين عريكته. فبينما هما في الكلام، وإذا بالخادم دخل عليهما وهو في تلك الحالة، وقال له: يا مولانا السلطان، إن ولدك حصل له جنون، وقد فعل بي هذه الفعال، وقال لي: إن صبية باتت عندي في هذه الليلة، وذهبت بخفية فأخبِرْني بخبرها. وأنا لا أعرف ما شأن هذه الصبية. فلما سمع السلطان شهرمان هذا الكلام عن ولده قمر الزمان، صرخ قائلًا: وا ولداه! وغضب على الوزير الذي كان سببًا في هذه الأمور غضبًا شديدًا، وقال له: قم اكشف لي خبر ولدي قمر الزمان. فخرج الوزير وهو يتعثر في أذياله من خوفه من الملك، وراح مع الخادم إلى البرج، وكانت الشمس قد طلعت، فدخل الوزير على قمر الزمان فوجده جالسًا على السرير يقرأ القرآن، فسلَّم عليه الوزير وجلس إلى جانبه، وقال له: يا سيدي، إن هذا العبد النحس أخبرنا بخبر شوَّش علينا وأزعجنا، فاغتاظ الملك من ذلك. فقال له قمر الزمان: أيها الوزير، وما الذي قاله لكم عني حتى شوَّش على أبي، وفي الحقيقة هو ما شوش إلا عليَّ؟ فقال له الوزير: إنه جاءنا بحالة منكرة، وقال لنا قولًا حاشاك منه، وكذب علينا بما لا ينبغي أن يُذكَر في شأنك، فسلامة شبابك، وعقلك الرجيح، ولسانك الفصيح، وحاشا أن يصدر منك شيء قبيح. فقال له قمر الزمان: فأيُّ شيء قال هذا العبد النحس؟ فقال له الوزير: إنه أخبرنا أنك جُنِنت وقلتَ له: كان عندي صبية في الليلة الماضية. فهل قلت للخادم هذا الكلام؟ فلما سمع قمر الزمان هذا الكلام اغتاظ غيظًا شديدًا، وقال للوزير: تبيَّنَ لي أنكم علَّمتم الخادمَ الفعل الذي صدر منه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.