فلما كانت الليلة ١٨٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان بن الملك شهرمان قال للوزير: تبيَّنَ لي أنكم علَّمتم الخادم الفعل الذي صدر منه، ومنعتموه من أن يخبرني بأمر الصبية التي كانت نائمة عندي في هذه الليلة، وأنت أيها الوزير أعقل من الخادم، فأخبرني في هذه الساعة أين ذهبت الصبية المليحة التي كانت نائمة في حضني تلك الليلة؟ فأنتم الذين أرسلتموها عندي، وأمرتموها أن تبيت في حضني، ونمت معها إلى الصباح، فلما انتبهت ما وجدتها، فأين هي الآن؟ فقال الوزير: يا سيدي قمر الزمان، اسم الله حواليك، والله ما أرسلنا لك في هذه الليلة أحدًا، وقد نمت وحدك، والباب مقفول عليك، والخادم نائم من خلف الباب، وما أتى إليك صبية ولا غيرها، فارجع إلى عقلك يا سيدي، ولا تشغل خاطرك. فقال له قمر الزمان وقد اغتاظ من كلامه: أيها الوزير، إن تلك الصبية معشوقتي، وهي المليحة صاحبة العيون السود والخدود الحمر التي عانقتها في هذه الليلة.
فتعجَّبَ الوزير من كلام قمر الزمان، وقال له: هل رأيتَ تلك الصبية في هذه الليلة بعينك في اليقظة أم في المنام؟ فقال له قمر الزمان: يا أيها الشيخ النحس، أتظن أني رأيتها بأُذُني؟! إنما رأيتها بعيوني في اليقظة، وقلَّبتها بيدي، وسهرت معها نصف ليلة كاملة، وأنا أتفرج على حسنها وجمالها، وظرفها ودلالها، وإنما أنتم أوصيتموها أنها لا تكلِّمني، فجعلت نفسها نائمة، فنمت بجانبها إلى الصباح، ثم استيقظت من منامي فلم أجدها. فقال له الوزير: يا سيدي قمر الزمان، ربما تكون رأيت هذا الأمر في المنام، فيكون أضغاث أحلام أو تخيُّلات من أكل مختلف الطعام، أو وسوسة من الشياطين اللئام. فقال له قمر الزمان: يا أيها الشيخ النحس، كيف تهزأ بي أنت الآخر وتقول لي لعلَّ هذا أضغاث أحلام، مع أن الخادم قد أقرَّ لي بتلك الصبية، وقال لي: في هذه الساعة أعود إليك وأخبرك بقصتها؟
ثم إن قمر الزمان قام من وقته، وتقدَّم إلى الوزير، وقبض لحيته في يده، وكانت لحيته طويلة، فأخذها قمر الزمان ولفَّها على يده وجذبه منها، فرماه من فوق السرير وألقاه على الأرض؛ فحسَّ الوزير أن روحه طلعت من شدة نتف لحيته، وما زال قمر الزمان يرفص الوزير برجليه ويصفعه على قفاه بيديه حتى كاد أن يُهلِكه، فقال الوزير في نفسه: إذا كان العبد الخادم خلَّص نفسه من هذا الصبي المجنون بكذبة، فأنا أولى بذلك منه، وأخلص نفسي أنا الآخر بكذبة، وإلا يهلكني، فها أنا أكذب وأخلِّص روحي منه، فإنه مجنون لا شك في جنونه. ثم إن الوزير التفت إلى قمر الزمان وقال له: يا سيدي لا تؤاخذني، فإن والدك أوصاني أن أكتم عنك خبر هذه الصبية، وأنا الآن عجزت وكلَّيت من الضرب؛ لأني بقيت رجلًا كبيرًا، وليس لي قوة على تحمُّل الضرب، فتمهَّل عليَّ قليلًا حتى أحدثك بقصة الصبية. فعند ذلك منع عنه الضرب وقال له: لأي شيء لم تخبرني بخبر تلك الصبية إلا بعد الضرب والإهانة؟ فقُمْ يا أيها الشيخ النحس، واحكِ لي خبرها. فقال له الوزير: هل أنت تسأل عن تلك الصبية صاحبة الوجه المليح والقد الرجيح؟ فقال له قمر الزمان: نعم، أخبرني أيها الوزير مَن الذي جاء بها إليَّ وأنامها عندي؟ وأين هي في هذه الساعة حتى أروح أنا إليها بنفسي؟ فإن كان أبي الملك شهرمان فعل معي هذه الفعال، وامتحنني بتلك الصبية المليحة من أجل زواجها، فأنا رضيت أن أتزوَّج بها، فإنه ما فعل معي هذا الأمر كله وولع خاطري بتلك الصبية وبعد ذلك حجبها عني، إلا من أجل امتناعي من الزواج، فها أنا رضيت بالزواج، ثم رضيت بالزواج، فأَعْلِمْ والدي بذلك أيها الوزير، وأشر إليه أن يزوِّجني بتلك الصبية، فإني لا أريد سواها، وقلبي لم يعشق إلا إياها، فقُمْ وأسرِعْ إلى أبي، وأشِرْ إليه بتعجيل زواجي، ثم عُدْ إليَّ قريبًا في هذه ساعة. فما صدق الوزير بالخلاص من قمر الزمان حتى خرج من البرج وهو يجري إلى أن دخل على الملك شهرمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.