فلما كانت الليلة ١٩١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان قال لوالده: أنا أضرب لك مثلًا يبيِّن لك أن هذا كان في اليقظة؛ وهو أني أسألك: هل اتفق لأحد أنه رأى نفسه في المنام يقاتل، وقد قاتَلَ قتالًا شديدًا، وبعد ذلك استيقظ من منامه فوجد في يده سيفًا ملوَّثًا بالدم؟ فقال له والده: لا والله يا ولدي، لم يتفق هذا. فقال له قمر الزمان: أخبرك بما حصل لي؛ وهو أني رأيت في هذه الليلة كأني استيقظت من منامي نصف الليل، فوجدتُ بنتًا نائمة بجانبي، وقدُّها كقدِّي، وشكلها كشكلي، فعانقتها ومسكتها بيدي، وأخذت خاتمها ووضعته في إصبعي، وقلعت خاتمي ووضعته في إصبعها، وامتنعت عنها حياءً منك، وظننتُ أنك أرسلتها واستخفيت في موضعٍ لتنظر ما أفعل، واستحييتُ من أجل ذلك أن أقبِّلها في فمها حياءً منك، وخطر ببالي أنك تمتحنني بها حتى ترغِّبني في الزواج، وبعد ذلك انتبهتُ من منامي في وجه الصبح، فلم أجد للصبية أثرًا، ولا وقفت لها على خبر، وجرى لي مع الخادم والوزير ما جرى، فكيف يكون هذا الأمر كذبًا وأمرُ الخاتم صحيحٌ؟ ولولا الخاتم كنتُ أظنُّ أنه منام، وهذا خاتمها الذي في خنصري في هذه الساعة، فانظر أيها الملكُ الخاتمَ، ثم كم يساوي؟ ثم إن قمر الزمان ناوَلَ الخاتمَ لأبيه، فأخذه وقلَّبَه ثم التفت إلى ولده وقال له: إن لهذا الخاتم نبأً عظيمًا وخبرًا جسيمًا، وإن الذي اتفق لك في هذه الليلة مع تلك الصبية أمر مُشكل، ولا أعلم من أين دخل علينا هذا الدخيل، وما تسبَّب في هذا كله إلا الوزير، فبالله عليك يا ولدي أن تصبر، لعل الله يفرِّج عنك هذه الكربة، ويأتيك بالفرج العظيم، كما قال الشاعر:
فيا ولدي قد تحقَّقْتُ في هذه الساعة أنه ليس بك جنون، ولكن قضيتك ما يُجلِيها عنك إلا الله. فقال قمر الزمان لوالده: بالله يا والدي، إنك تفحص لي عن هذه الصبية، وتعجِّل بقدومها، وإلا مت كمدًا. ثم إن قمر الزمان أظهَرَ الوَجْد، والتفت إلى أبيه، وأنشد هذين البيتين:
ثم إن قمر الزمان بعد إنشاد هذه الأشعار، التفت إلى أبيه بخضوع وإنكار، وأفاض العَبَرات، وأنشد هذه الأبيات … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.