فلما كانت الليلة ١٩٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن القهرمانة قالت للسيدة بدور: بالله عليك لا تمزحي هذا المزاح الخارج عن الحد، فإنه ربما بلغ أباك هذا المزاح، فمَن يخلِّصنا من يده؟ فقالت لها الملكة بدور: إنه كان غلام بائتًا عندي في هذه الليلة، وهو من أحسن الناس وجهًا. فقالت لها القهرمانة: سلامة عقلك، ما كان أحد بائتًا عندك في هذه الليلة. فعند ذلك نظرت بدور إلى يدها فوجدَتْ خاتمَ قمر الزمان في إصبعها، ولم تجد خاتمها، فقالت للقهرمانة: ويلك يا خائنة! أتكذبين عليَّ وتقولين ما كان أحد بائتًا عندي، وتحلفين لي بالله باطلًا؟ فقالت القهرمانة: والله ما كذبت عليك، ولا حلفت باطلًا. فاغتاظت منها السيدة بدور، وسحبت سيفًا كان عندها، وضربت القهرمانة فقتلتها، فعند ذلك صاح الخدم والجواري والسراري عليها، وراحوا إلى أبيها وأعلموه بحالها؛ فأتى الملك إلى ابنته السيدة بدور من وقته وساعته، وقال لها: يا بنتي ما خبرك؟ فقالت: يا أبي، أين الشاب الذي كان نائمًا بجانبي في هذه الليلة؟ وطار عقلها من رأسها، وصارت تلتفت بعينيها يمينًا وشمالًا، ثم شقَّت ثوبها إلى ذيلها، فلما رأى أبوها تلك الفعال، أمر الجواري والخدم أن يمسكوها، فقبضوا عليها وقيَّدوها، وجعلوا في رقبتها سلسلة من حديد، وربطوها في الشباك الذي في القصر.
هذا ما كان من أمر الملكة بدور، وأما ما كان من أمر أبيها الملك الغيور، فإنه لما رأى ما جرى من ابنته السيدة بدور، وضاقت عليه الدنيا؛ لأنه كان يحبها، فلم يهُنْ عليه أمرها، فعند ذلك أحضر المنجمين والحكماء وأصحاب الأقلام، وقال لهم: مَن أبرأ بنتي مما هي فيه زوَّجتُه بها، وأعطيتُه نصفَ مملكتي، ومَنْ لم يُبرِئها ضربت عنقَه، وعلَّقْتُ رأسه على باب قصرها، وصار كلُّ مَن دخل عليها ولم يبرئها يضرب عنقه ويعلق رأسه على باب القصر، ولم يزل يفعل ذلك إلى أن قطع من أجلها أربعين رأسًا؛ فطلب سائر الحكماء فتوقَّفَ جميع الناس عنها، وعجزت جميع الحكماء عن دوائها، وأشكلت قضيتها على أهل العلوم وأرباب الأقلام، ثم إن السيدة بدور لما زاد بها الوَجْد والغرام، وأضرَّ بها العشق والهيام، أجرت العَبَرات، وأنشدت هذه الأبيات:
ثم أنشدَتْ أيضًا:
فلما فرغَتِ السيدة بدور من إنشاد هذه الأشعار، بكت حتى مرضت جفونها، وتذبَّلت وجناتها، ثم إنها استمرت على هذا الحال ثلاث سنين، وكان لها أخ من الرَّضَاع يُسمَّى مرزوان، وكان سافَرَ إلى أقصى البلاد، وغاب عنها تلك المدة بطولها، وكان يحبها محبةً زيادة على محبة الأخوَّة، فلما حضر دخل على والدته، وسألها عن أخته السيدة بدور، فقالت له: يا ولدي، إن أختك حصل لها جنون، ومضى لها ثلاث سنين، وفي رقبتها سلسلة من حديد، وعجزت الأطباء عن دوائها. فلما سمع مرزوان هذا الكلام قال: لا بد من دخولي عليها لعلي أعرف ما بها، وأقدر على دوائها. فلما سمعت كلامه قالت: لا بد من دخولك عليها، ولكن اصبر إلى غدٍ حتى أتحيَّلَ في أمرك.
ثم إن أمه ترجَّلت إلى قصر السيدة بدور، واجتمعت بالخادم الموكل بالباب، وأهدت له هدية وقالت له: إن لي بنتًا، وقد تربَّتْ مع السيدة بدور، وقد زوَّجتها، ولما جرى لسيدتك ما جرى صار قلبها متعلقًا بها، وأقصد فضلك في أن بنتي تأتي عندها ساعة لتنظرها، ثم ترجع من حيث جاءت، ولا يعلم بها أحد. فقال الخادم: لا يمكن ذلك إلا في الليل، فبعد أن يأتي السلطان ينظر ابنته ويخرج، ادخلي أنت وابنتك. فقبَّلَتِ العجوز يد الخادم وخرجت إلى بيتها، فلما جاء وقت العشاء في الليلة القابلة قامت من وقتها وساعتها، وأخذت ولدها مرزوان، وألبسته بدلة من ثياب النساء، وجعلت يده في يدها وأدخلته القصر، ولا زالت تمشي به حتى أوصلته إلى الخادم بعد انصراف السلطان من عند بنته، فلما رآها الخادم قام واقفًا، وقال لها: ادخلي ولا تطيلي القعود. فلما دخلت العجوز بولدها مرزوان، رأى السيدة بدور في تلك الحالة، فسلَّمَ عليها بعد أن كشفت عنه أمُّه ثيابَ النساء، فأخرج مرزوان الكتب التي معه وأوقد شمعةً، فنظرت إليه السيدة بدور فعرفته، وقالت له: يا أخي، أنت كنتَ سافرت وانقطعَتْ أخبارك عنَّا. فقال لها: صحيح، ولكن ردَّني الله بالسلامة، وأردت السفر ثانيًا، فما ردَّني عنه إلا هذا الخبر الذي سمعته عنك؛ فاحترق فؤادي عليك، وجئت إليك لعلي أعرف داءك، وأقدر على دوائك. فقالت له: يا أخي، هل تحسب أن الذي اعتراني جنون. ثم أشارَتْ إليه وأنشدَتْ هذين البيتين:
فعلم مرزوان أنها عاشقة، فقال لها: أخبريني بقصتك وما اتفق لك، لعلَّ الله أن يُطلِعني على ما فيه خلاصك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.