فلما كانت الليلة ١٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مرزوان قال للسيدة بدور: لعلَّ الله أن يُطلِعني على ما فيه خلاصك. فقالت له السيدة بدور: يا أخي اسمع قصتي، وذلك أني استيقظت من منامي ليلةً في الثلث الأخير من الليل وجلست، فنظرتُ إلى جانبي شابًّا أحسن ما يكون من الشباب، يكلُّ عن وصفه اللسان كأنه غصن بان أو قضيب خيزران، فظننتُ أن أبي هو الذي أمره بهذا الأمر ليمتحنني به؛ لأنه راوَدَني عن الزواج لما خطبني منه الملوك فأبيتُ، فهذا الظن هو الذي منعني من أن أنبِّهه، وخشيتُ أني إذا عانقتُه ربما يُخبِر أبي بذلك، فلما أصبحتُ رأيتُ بيدي خاتمَه عوضًا عن خاتمي؛ فهذه حكايتي، وأنا يا أخي قد تعلَّقَ قلبي به من حين رؤيته، ومن كثرة عشقي والغرام لم أذُقْ طعمَ المنام، وما لي شغل غير بكائي بالدموع الغزار، وإنشاد الأشعار بالليل والنهار. ثم أفاضت العَبَرات، وأنشدت هذه الأبيات:
ثم إن السيدة بدور قالت لمرزوان: انظر يا أخي ما الذي تعمل معي في الذي اعتراني. فأطرق مرزوان رأسه إلى الأرض ساعةً وهو يتعجَّب، وما يدري ما يفعل، ثم رفع رأسه وقال لها: جميع ما جرى لك صحيح، وإن حكاية هذا الشاب أعيت فكري، ولكن أدور في جميع البلاد، وأفتِّش على دوائك؛ لعلَّ الله يجعله على يدي، فاصبري ولا تقلقي. ثم إن مرزوان ودَّعَها ودعا لها بالثبات، وخرج من عندها وهي تنشد هذه الأبيات:
ثم إن مرزوان تمشَّى إلى بيت والدته فنام تلك الليلة، ولما أصبح الصباح تجهَّز للسفر فسافر، ولم يزل مسافرًا من مدينة إلى مدينة، ومن جزيرة إلى جزيرة مدة شهر كامل، ثم دخل مدينةً يقال لها الطيرب، واستنشق الأخبار من الناس لعله يجد دواء الملكة بدور، وكان كلما يدخل من مدينة أو يمر بها، يسمع أن الملكة بدور بنت الملك الغيور قد حصل لها جنون، ولم يزل يستنشق الأخبار حتى وصل إلى مدينة الطيرب، فسمع أن قمر الزمان ابن الملك شهرمان مريض، وأنه اعتراه وسواس وجنون، فلما سمع مرزوان بخبره سأل بعض أهل تلك المدينة عن بلاده ومحل تخته، فقالوا له: جزائر خالدان، وبيننا وبينها مسيرة شهر كامل في البحر، وأما في البر فستة أشهر. فنزل مرزوان في مركب إلى جزائر خالدان، وكانت المركب مجهَّزةً للسفر، وطاب لها الريح مدة شهر فبانت لهم المدينة، ولما أشرفوا عليها، ولم يَبْقَ لهم إلا الوصول إلى الساحل، خرج عليهم ريح عاصف فرمى القرية، ووقعت القلوع في البحر، وانقلبت المركب بجميع ما فيها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.