قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مرزوان لما نظر إلى قمر الزمان
وعلم أنه هو المطلوب قال: سبحان الله الذي جعل قدَّه مثل قدِّها،
وخدَّه مثل خدِّها، ولونه مثل لونها. ففتح قمر الزمان عينَيْه، وصغى
بأذنَيْه، فلما رآه مرزوان صاغيًا إلى ما يُلقِيه من الكلمات، أنشد هذه
الأبيات:
أَرَاكَ طَرُوبًا ذَا شَجًى وَتَرَنُّمِ
تَمِيلُ إِلَى ذِكْرِ الْمَحَاسِنِ بِالْفَمِ
أَصَابَكَ عِشْقٌ أَمْ رُمِيتَ بِأَسْهُمٍ
فَمَا هَذِهِ إِلَّا سَجِيَّةُ مَنْ رُمِي
أَلَا فَاسْقِنِي كَاسَاتِ خَمْرٍ وَغَنِّ
لِي
بِذِكْرِ سُلَيْمَى وَالرَّبَابِ وَتَنْعَمِ
أَغَارُ عَلَى أَعْطَافِهَا مِنْ ثِيَابِهَا
إِذَا لَبِسَتْهَا فَوْقَ جِسْمٍ مُنَعَّمِ
وَأَحْسِدُ كَاسَاتٍ تُقَبِّلُ ثَغْرَهَا
إِذَا وَضَعَتْهَا مَوْضِعَ اللَّثْمِ فِي
الْفَمِ
فَلَا تَحْسَبُوا أَنِّي قُتِلْتُ بِصَارِمٍ
وَلَكِنْ لِحَاظٌ قَدْ رَمَتْنِي بِأَسْهُمِ
وَلَمَّا تَلَاقَيْنَا وَجَدْتُ بَنَانَهَا
مُخَضَّبَةً تَحْكِي عُصَارَةَ عَنْدَمِ
فَقَالَتْ وَأَلْقَتْ فِي الْحَشَا لَاعِجَ
الْجَوَى
مَقَالَةَ مَنْ لِلْحُبِّ لَمْ يَتَكَتَّمِ
رُوَيْدَكَ مَا هَذَا خِضَابٌ خَضِبْتُهُ
فَلَا تَكُ بِالْبُهْتَانِ وَالزُّورِ
مُتْهِمِي
وَلَكِنَّنَي لَمَّا رَأَيْتُكَ نَائِمًا
وَقَدْ كُشِّفَتْ كَفِّي وَزَنْدِي
وَمِعْصَمِي
بَكَيْتُ دَمًا يَوْمَ النَّوَى فَمَسَحْتُهُ
بِكَفَّيَّ فَابْتَلَّتْ بَنَانِيَ مِنْ
دَمِي
فَلَوْ قَبْلَ مَبْكَاهَا بَكَيْتُ صَبَابَةً
لَكُنْتُ شَفَيْتُ النَّفْسَ قَبْلَ
التَّنَدُّمِ
وَلَكِنْ بَكَتْ قَبْلِي فَهَيَّجَنِي
الْبُكَا
بُكَاهَا فَقُلْتُ: الْفَضْلُ
لِلْمُتَقَدِّمِ
فَلَا تَعْذُلُونِي فِي هَوَاهَا لِأَنَّنِي
وَحَقِّ الْهَوَى فِيهَا كَثِيرُ
التَّأَلُّمِ
بَكَيْتُ عَلَى مَنْ زَيَّنَ الْحُسْنَ
وَجْهُهَا
وَلَيْسَ لَهَا مِثْلٌ بِعُرْبٍ وَأَعْجَمِ
لَهَا عِلْمُ لُقْمَانَ وَصُورَةُ يُوسُفَ
وَنَغْمَةُ دَاوُدَ وَعِفَّةُ مَرْيَمِ
وَلِي حِزْنُ يَعْقُوبَ وَحَسْرَةُ يُونُسَ
وَبَلْوَةُ أَيُّوبَ وَقِصَّةُ آدَمِ
فَلَا تَقْتُلُوهَا إِنْ قُتِلْتُ بِهَا
جَوًى
بَلَى فَاسْأَلُوهَا كَيْفَ حُلَّ لَهَا
دَمِي
فلما أنشد مرزوان هذا الشعر، نزل على قلب قمر الزمان بردًا وسلامًا.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.