فلما كانت الليلة ٢٠٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما وضع الخاتم في الورقة ناولها للخادم، فأخذها ودخل بها إلى السيدة بدور، فأخذتها من يد الخادم وفتحتها، فوجدت خاتمها بعينه، ثم قرأت الورقة، فلما عرفت المقصود علمت أن معشوقها قمر الزمان، وأنه هو الواقف خلف الستار؛ فطار عقلها من الفرح، واتَّسع صدرها وانشرح، ومن فرط المسرات أنشدت هذه الأبيات:
فلما فرغت السيدة بدور من شعرها قامت من وقتها، وصلبت رجليها في الحائط، واتَّكأت بقوتها على الغل الحديد فقطعته من رقبتها، وقطعت السلاسل، وخرجت من خلف الستارة، ورمت روحها على قمر الزمان، وقبَّلَتْه في فمه مثل زق الحمام، وعانقته من شدة ما بها من الغرام، وقالت له: يا سيدي، هل هذا يقظة أو منام؟ وهل قد مَنَّ الله علينا بجمع شملنا. ثم حمدت الله وشكرته على جمع شملها بعد اليأس، فلما رآها الخادم على تلك الحالة، ذهب يجري حتى وصل إلى الملك الغيور، فقبَّل الأرض بين يديه، وقال له: يا مولاي، اعلم أن هذا المنجم أعلم المنجِّمين كلهم، فإنه داوى ابنتك وهو واقف خلف الستارة، ولم يدخل عليها. فقال الملك للخادم: أصحيح هذا الخبر؟ فقال الخادم: يا سيدي، قُمْ وانظر إليها كيف قطعَتِ السلاسلَ الحديد، وخرجت للمنجم تقبِّله وتعانِقه. فعند ذلك قام الملك الغيور ودخل على ابنته، فلما رأته نهضَتْ قائمة، وغطَّت رأسها، وأنشدت هذين البيتين:
ففرح أبوها بسلامتها، وقبَّلها بين عينيها؛ لأنه كان يحبها محبة عظيمة، وأقبل الملك الغيور على قمر الزمان وسأله عن حاله، وقال له: من أي البلاد أنت؟ فأخبره قمر الزمان بشأنه، وأعلمه أن والده الملك شهرمان، ثم إن قمر الزمان قصَّ عليه القصة من أولها إلى آخرها، وأخبره بجميع ما اتفق له مع السيدة، وكيف أخذ الخاتم من إصبعها وألبسها خاتمه، فتعجَّبَ الملك الغيور من ذلك وقال: إن حكايتكما لا بد أن تُؤرَّخ في الكتب وتُقرَأ بعدكما جيلًا بعد جيل. ثم إن الملك الغيور أحضر القضاة والشهود من وقته، وكتب كتاب السيدة بدور على قمر الزمان، وأمر بتزيين المدينة سبعة أيام، ثم مدُّوا السماط والأطعمة، وتزينت المدينة وجميع العساكر، وأقبلت البشائر، ودخل قمر الزمان على السيدة بدور، وفرح بعافيتها وزواجها، وحمدت الله الذي رماها في حب شاب مليح من أبناء الملوك، ثم جلوها عليه، وكانا يشبهان بعضهما في الحسن والجمال، والظرف والدلال، ونام قمر الزمان عندها تلك الليلة، وبلغ أربه منها، وتمتعت هي بحسنه وجماله، وتعانقا إلى الصباح. وفي اليوم الثاني عمل الملك وليمة، وجمع جميع أهل الجزائر الجوَّانية والجزائر البرَّانية، وقدَّم لهم الأسمطة، وامتدت الموائد مدة شهر كامل؛ وبعد ذلك تذكَّرَ قمر الزمان أباه، ورآه في المنام يقول له: يا ولدي، أهكذا تفعل معي هذه الفعال؟ وأنشده في المنام هذين البيتين:
ثم إن قمر الزمان لما رأى والده في المنام يعاتبه، أصبح حزينًا وأعلم زوجته بذلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.