فلما كانت الليلة ٢٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما رأى والده في المنام يعاتبه، أصبح حزينًا وأخبر زوجته السيدة بدور بذلك، فدخلت هي وإياه على والدها وأعلماه، واستأذناه في السفر، فأذن له في السفر، فقالت السيدة بدور: يا والدي، لا أصبر على فراقه. فقال لها والدها: سافري معه. وأذن لها بالإقامة معه سنة كاملة، وبعد السنة تجيء لتزور والدها في كل عام مرة، فقبَّلت يد أبيها، وكذلك قمر الزمان، ثم شرع الملك الغيور في تجهيز ابنته هي وزوجها، وهيَّأ لهما أدوات السفر، وأخرج لهما الخيول والهجن، وأخرَجَ لابنته محفَّة، وحمَّلَ لهما البغال والهجن، وأخرج لهما ما يحتاجان إليه في السفر. وفي يوم المسير، ودَّع الملك الغيور قمر الزمان، وخلع عليه خلعة سنيَّة من الذهب مرصَّعة بالجواهر، وقدَّم له خزنة مال، وأوصاه على بنته بدور، ثم خرج معهما إلى طرف الجزائر؛ وبعد ذلك ودَّعَ قمر الزمان، ثم دخل على ابنته وهي في المحفة، وصار يعانقها ويبكي، وأنشد هذين البيتين:
ثم خرج من عند ابنته، وأتى إلى زوجها قمر الزمان، فصار يودِّعه ويقبِّله، ثم فارقهما وعاد إلى جزائره بعسكره بعد أن أمرهما بالرحيل؛ فسار قمر الزمان هو وزوجته السيدة بدور ومَن معهم من الأتباع أول يوم، والثاني، والثالث، والرابع، ولم يزالوا مسافرين مدة شهر، ثم نزلوا في مرج واسع كثير الكلأ، وضربوا خيامهم فيه، وأكلوا وشربوا واستراحوا، ونامت السيدة بدور، فدخل عليها قمر الزمان فوجدها نائمة وفوق بدنها قميص مشمشي من الحرير، يَبِين منه كل شيء، وفوق رأسها كوفيَّة من الذهب مرصَّعة بالجواهر، وقد رفع الهواء قميصها فطلع فوق سرَّتها عند نهودها، فبان له بطن أبيض من الثلج، وكل عكنة من عكن طيَّاته تَسَع أوقية من دهن البان؛ فزاد محبةً وهيامًا، وأنشد هذين البيتين:
فحطَّ قمر الزمان يده في دكَّة لباسها فجذبها، وحلَّها لما اشتهاها خاطره، فرأى فصًّا أحمر مثل العندم مربوطًا على الدكَّة، وعليه أسماء منقوشة سطرين بكتابة لا تُقرأ، فتعجَّب قمر الزمان من تلك القصة، وقال في نفسه: لولا أن هذا الفص أمر عظيم عندها ما ربطته هذه الربطة على دكة لباسها، وما خبَّأته في أعز مكان عندها حتى لا تفارقه، فماذا تصنع بهذا؟ وما السر الذي هو فيه؟ ثم أخذه وخرج من الخيمة ليُبصِره في النور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.