فلما كانت الليلة ٢٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه لما أخذ الفصَّ ليُبصِره في النور، صار يتأمَّل فيه، وإذا بطائر انقضَّ عليه، وخطفه من يده وطار به، وحطَّ به على الأرض؛ فخاف قمر الزمان على الفصِّ وجرى خلف الطائر، وصار الطائر يجري على قدر جري قمر الزمان، وصار قمر الزمان خلفه من وادٍ إلى وادٍ، ومن تلٍّ إلى تلٍّ، إلى أن دخل الليل وتغلس الظلام، فنام الطائر على شجرة عالية، فوقف قمر الزمان تحتها، وصار باهتًا، وقد ضعف من الجوع والتعب، وظن أنه هلك، وأراد أن يرجع فما عرف الموضع الذي جاء منه، وهجم عليه الظلام فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم نام تحت الشجرة التي فوقها الطائر إلى الصباح، ثم انتبه من نومه فوجد الطائر قد انتبه وطار من فوق الشجرة؛ فمشى قمر الزمان خلفه، وصار ذلك الطائر يطير قليلًا بقدر مشي قمر الزمان؛ فتبسَّمَ قمر الزمان، وقال: يا لله العجب! إن هذا الطائر كان بالأمس يطير بقدر جريتي، وفي هذا اليوم علم أني أصبحت تعبانًا لا أقدر على الجري، فصار يطير على قدر مشيي، إن هذا عجيب! ولكن لا بد أن أتبع هذا الطائر، فإما أن يقودني إلى حياتي أو إلى مماتي، فأنا أتبعه أينما يتوجه؛ لأنه على كل حال لا يقيم إلا في البلاد العمار. ثم إن قمر الزمان جعل يمشي تحت الطائر، والطائر يبيت في كل ليلة على شجرة، ولم يزل تابعه مدة عشرة أيام، وقمر الزمان يتقوَّت من نبات الأرض ويشرب من الأنهار، وبعد العشرة أيام أشرف على مدينة عامرة، فمرق الطائر في تلك المدينة مثل لمح البصر، وغاب عن قمر الزمان، ولم يعرف أين راح، فتعجب قمر الزمان وقال: الحمد لله الذي سلَّمني حتى وصلت إلى هذه المدينة. ثم جلس عند الماء، وغسل يديه ورجليه ووجهه واستراح ساعة، وتذكر ما كان فيه من الراحة، ونظر إلى ما هو فيه من الغربة والجوع والتعب، فأنشد يقول:
ثم إن قمر الزمان لما فرغ من شعره واستراح، دخل باب المدينة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.