فلما كانت الليلة ١٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك سليمان شاه سار هو وولده وزوجة ولده حتى أشرفوا على بلادهم، وزُيِّنت لهم المدينة، ثم دخلوا المدينة وجلس الملك سليمان شاه على سرير مملكته وولده تاج الملوك إلى جانبه، ثم أعطى ووهب وأطلق مَن كان في الحبوس، ثم عمل لولده عرسًا ثانيًا، واستمرت به المغاني والملاهي شهرًا كاملًا، وازدحمت المواشط على السيدة دنيا، وهي لا تملُّ من الجلاء ولا يمللْنَ من النظر إليها. ثم دخل تاج الملوك على زوجته بعد أن اجتمع مع أبيه وأمه، وما زالوا في ألذِّ عيش وأهناه.
فعند ذلك قال ضوء المكان للوزير دندان: مثلك مَن ينادم الملوك، ويسلك في تدبيرهم أحسن السلوك. هذا كله وهم محاصِرون للقسطنطينية، حتى مضى عليهم أربع سنين، ثم اشتاقوا إلى أوطانهم وضجرت العساكر من الحصار وإدامة الحرب في الليل والنهار؛ فأمر الملك ضوء المكان بإحضار بهرام ورستم وتركاش، فلما حضروا قال لهم: اعلموا أننا أقمنا هذه السنين، وما بلغنا مرامًا فازددنا غمًّا وهمًّا، وقد أتينا لنخلص ثأر الملك عمر النعمان، فقُتِل أخي شركان، فصارت الحسرة حسرتين والمصيبة مصيبتين، وسبب هذا كله العجوز ذات الدواهي، فإنها قتلت السلطان في مملكته، وأخذت زوجته الملكة صفية، وما كفاها ذلك حتى عملت الحيلة علينا وذبحت أخي، وقد حلفتُ الإيمان العظيمة إنه لا بد من أخذ الثأر؛ فما تقولون أنتم؟ فافهموا هذا الخطاب وردُّوا عليَّ الجواب. فأطرقوا رءوسهم وأحالوا الأمرَ على الوزير دندان، فعند ذلك تقدَّمَ الوزير دندان إلى الملك ضوء المكان وقال له: اعلم يا ملك الزمان، أنه ما بقي في إقامتنا فائدة، والرأي إننا نرحل إلى الأوطان ونقيم هناك برهة من الزمان، ثم نعود ونغزو عَبَدَة الأصنام. فقال الملك: نِعْمَ هذا الرأي؛ لأن الناس اشتاقوا إلى رؤية عيالهم، وأنا أيضًا أقلقني الشوق إلى ولدي «كان ما كان»، وإلى ابنة أخي «قضى فكان»؛ لأنها في دمشق ولا أعلم ما كان من أمرها. فلما سمعت العساكر ذلك، فرحوا ودعوا للوزير دندان.
ثم إن الملك ضوء المكان أمر المنادي أن ينادي بالرحيل بعد ثلاثة أيام، فابتدءوا في تجهيز أحوالهم، وفي اليوم الرابع دُقَّتِ الكاسات ونُشِرت الرايات، وتقدَّمَ الوزير دندان في مقدم العسكر، وسار الملك في وسط العساكر وبجانبه الحاجب الكبير، وسارت الجيوش، وما زالوا مُجِدِّين السيرَ بالليل والنهار حتى وصلوا إلى مدينة بغداد، ففرحت بقدومهم الناس وزال عنهم الهم والبأس. ثم ذهب كل أمير إلى داره، وطلع الملك إلى قصره ودخل على ولده «كان ما كان»، وقد بلغ من العمر سبع سنين، وصار ينزل ويركب. ولما استراح الملك من السفر، دخل الحمام هو وولده «كان ما كان»، ثم رجع وجلس على كرسي مملكته، ووقف الوزير دندان بين يديه، وطلعت الأمراء وخواص الدولة ووقفوا في خدمته؛ فعند ذلك أمر الملك ضوء المكان بإحضار صاحبه الوقَّاد الذي أحسن إليه في غربته، فحضر بين يديه، فلما رآه الملك ضوء المكان قادمًا عليه، نهض له قائمًا وأجلسه إلى جانبه، وكان الملك ضوء المكان قد أخبر الوزير بما فعل معه صاحبه الوقاد من المعروف، فعظم في عينه وفي أعين الأمراء. وكان الوقاد قد غلظ وسمن من الأكل والراحة، وصار عنقه كعنق الفيل، ووجهه كبطن الدرفيل، وصار طائش العقل؛ لأنه كان لا يخرج من المكان الذي هو فيه، فلم يعرف الملك بسيماه، فأقبَلَ عليه الملك وبَشَّ في وجهه وحيَّاه أعظم التحيات وقال له: ما أسرع ما نسيتني. فأمعن فيه النظر، فلما تحقَّقَ منه وعرفه، قام له على الأقدام وقاله له: يا حبيبي، من عملك سلطانًا؟ فضحك عليه، فأقبل عليه الوزير بالكلام وشرح له القصة وقال له: إنه كان أخاك وصاحبك والآن صار ملك الأرض، ولا بد أن يصل إليك منه خير كثير، وها أنا أوصيك، إذا قال لك: تمنَّ عليَّ، فلا تتمنَّ إلا شيئًا عظيمًا؛ لأنك عنده عزيز. فقال الوقاد: أخاف أن أتمنى عليه شيئًا، فلا يسمح لي به أو لا يقدر عليه. فقال له الوزير: كل ما تمنيته يعطيك إياه. فقال له: والله لا بد أن أتمنَّى عليه الشيء الذي في خاطري، وكل يوم أرجو منه أن يسمح لي به. فقال له الوزير: طيِّبْ قلبك، والله لو طلبتَ ولايةَ دمشق موضع أخيه لولَّاك عليها.
فعند ذلك قام الوقاد على قدميه، فأشار له ضوء المكان أن اجلس، فأَبَى وقال: معاذ الله، قد انقضت أيام قعودي في حضرتك. فقال له السلطان: لا بل هي باقية إلى الآن، فإنك كنت سببًا لحياتي، والله لو طلبتَ مني مهما أردتَ لأعطيتُكَ إياه، فتمنَّ على الله. فقال له: يا سيدي، إني أخاف أن أتمنى شيئًا، فلا تسمح لي به أو لا تقدر عليه. فضحك السلطان وقال له: لو تمنيتَ نصف مملكتي لشاركتُكَ فيها، فتمنَّ ما تريد. قال الوقاد: أخاف أن أتمنى شيئًا لا تقدر عليه. فغضب السلطان وقال له: تمنَّ ما أردتَ. فقال له: تمنيتُ أن تكتب لي مرسومًا بعرافة جميع الوقَّادين الذين في مدينة القدس. فضحك السلطان وجميع مَن حضر وقال له: تمنَّ غير هذا. فقال الوقاد: أنا ما قلتُ لك إني أخاف أن أتمنى شيئًا لا تسمح لي به وما تقدر عليه؟ فغمزه الوزير ثانيًا وثالثًا وفي كل مرة يقول: أتمنى عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس أو في مدينة دمشق. فانقلب الحاضرون على ظهورهم من الضحك عليه، وضربه الوزير، فالتفت الوقاد إلى الوزير وقال له: ما تكون حتى تضربني وما لي ذنب؟ فإنك أنت الذي قلتَ لي تمنَّ شيئًا عظيمًا. ثم قال: دعوني أسير إلى بلادي. فعرف السلطان أنه يلعب، فصبر قليلًا ثم أقبل عليه وقال له: يا أخي، تمنَّ عليَّ أمرًا عظيمًا لائقًا بمقامي. فقال له: أتمنى سلطنةَ دمشق موضع أخيك. فكتب له التواقيع بذلك، وقال للوزير دندان: ما يروح معه غيرك، وإذا أردتَ العود فأحضِرْ معك بنت أخي «قضى فكان». فقال الوزير: سمعًا وطاعة. ثم أخذ الوقاد ونزل به وتجهَّزَ للسفر، وأمر السلطان ضوء المكان أن يُخرِجوا للوقاد تختًا جديدًا وطقم سلطنة، وقال للأمراء: مَن كان يحبني، فَلْيقدِّم إليه هدية عظيمة. ثم سمَّاه السلطان الزبلكان ولقَّبَه بالمجاهد، وبعد شهر كملت حوائجه وطلع الزبلكان وفي خدمته الوزير دندان، ثم دخل ضوء المكان ليودِّعه، فقام له وعانَقَه وأوصاه بالعدل بين الرعية، وأمره أن يأخذ الأهبة للجهاد بعد سنتين، ثم ودَّعه وانصرف.
وسار الملك المجاهد المسمَّى بالزبلكان بعد أن أوصاه الملك ضوء المكان بالرعية خيرًا، وقدَّمت له الأمراء المماليك، فبلغوا خمسة آلاف مملوك وركبوا خلفه، وركب الحاجب الكبير، وأمير الديلم بهرام، وأمير الترك رستم، وأمير العرب تركاش، وساروا في توديعه وما زالوا سائرين معه ثلاثة أيام، ثم عادوا إلى بغداد، وسار السلطان الزبلكان هو والوزير دندان، وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق، وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور، بأن الملك ضوء المكان سلطَنَ على دمشق ملكًا يقال له الزبلكان ولقَّبَه بالمجاهد، فلما وصل إليهم الخبر، زيَّنوا له المدينةَ وخرج إلى ملاقاته كلُّ مَن في دمشق، ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة، ووقف الوزير دندان في خدمته يعرِّفه منازِلَ الأمراء ومراتبهم، وهم يدخلون عليه ويقبِّلون يدَيْه ويدعون له، فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب، ثم فتح خزائن الأموال وأنفَقَها على جميع العساكر كبيرًا وصغيرًا، وحكم وعدل. وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان شركان السيدة «قضى فكان»، وجعل لها محفة من الإبريسم، وجهَّزَ الوزير وقدَّمَ له شيئًا من المال، فأبى الوزير دندان وقال له: أنت قريب عهد بالمُلْك وربما تحتاج إلى الأموال، أو نرسل إليك نطلب منك مالًا للجهاد أو غير ذلك. ولما تهيَّأَ الوزير دندان للسفر، ركب السلطان المجاهد لوداعه، وأحضر «قضى فكان»، وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوارٍ برسم الخدمة، وبعد أن سافَرَ الوزير دندان، رجع الملك المجاهد إلى مملكته ليدبِّرها، واهتمَّ بآلة السلاح وصار ينتظر الوقتَ الذي يرسل إليه فيه الملك ضوء المكان.
هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان، وأما ما كان من أمر الوزير دندان، فإنه لم يزل يقطع المراحل ﺑ «قضى فكان»، حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسَلَ أعلَمَ ضوءَ المكان بقدومه، فركب وخرج إلى لقائه، فأراد الوزير دندان أن يترجَّلَ، فأقسم عليه الملك ضوء المكان ألَّا يفعل، فسار راكبًا حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد، فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم «قضى فكان» بنت أخيه شركان، ففرح وقال له: دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك تعال عندي. فقال: حبًّا وكرامة. ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه «قضى فكان»، وهي ابنة ثمان سنين؛ فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها، وأعطاها حليًّا ومصاغًا عظيمًا، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها «كان ما كان» في مكان واحد، وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم؛ لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور.
وأما «كان ما كان»، فإنه مولع بمكارم الأخلاق، ولكنه لا يفكِّر في عاقبة شيء، ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين، وصارت «قضى فكان» تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر، ويتعلمان الضربَ بالسيف والطعن بالرمح، حتى بلغ عمر كلٍّ منهما اثنتي عشرة سنة. ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد، فأحضر الوزير دندان وقال له: اعلم أني عزمتُ على شيء وأريد إطلاعك عليه، فأسرع في ردِّ الجواب. فقال الوزير دندان: ما هو يا ملك الزمان؟ قال: عزمتُ على أن أسلطن ولدي «كان ما كان» وأفرح به في حياتي، وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات. فما عندك من الرأي؟ فقبَّلَ الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان وقال له: اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد، أن ما خطر ببالك مليح، غير أنه لا يناسب في هذا الوقت لخصلتين؛ الأولى: أن ولدك «كان ما كان» صغير السن، والثانية: ما جرَتْ به العادة، من أنَّ مَن سلطَنَ ولده في حياته لا يعيش إلا قليلًا، وهذا ما عندي من الجواب. فقال: اعلم أيها الوزير، إننا نوصي عليه الحاجب الكبير، فإنه صار منَّا وإلينا، وقد تزوَّجَ أختي فهو في منزلة أخي. فقال له الوزير: افعل ما بَدَا لك، فنحن ممتثلون أمرك. فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره، وكذلك أكابر مملكته وقال لهم: إن هذا ولدي «كان ما كان»، قد علمتم أنه فارس الزمان، وليس له نظير في الحرب والطعان، وقد جعلته سلطانًا عليكم، والحاجب الكبير وصيٌّ عليه. فقال الحاجب: يا ملك الزمان، إنما أنا غريس نعمتك. فقال ضوء المكان: أيها الحاجب، إن ولدي «كان ما كان» وابنة أخي «قضى فكان» أولاد عمٍّ، وقد زوَّجتها به وأُشهِد الحاضرين على ذلك.
ثم نقل لولده من المال ما يعجز عنه اللسان، وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك، ففرحت وقالت: إن الاثنين ولداي، والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان. فقال: يا أختي، إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي، ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه. ثم صار يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأيامًا، وقد أيقَنَ بكأس الحمام ولزم الوساد، وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد. وبعد سنة، أحضر ولده «كان ما كان» والوزير دندان وقال: يا ولدي، إن هذا الوزير والدك من بعدي، واعلم أني راحل عن الدار الفانية إلى الدار الباقية، وقد قضيت غرضي من الدنيا، ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك. فقال ولده: وما تلك الحسرة يا والدي؟ فقال: يا ولدي، أن أموت ولم نأخذ بثأر جدك الملك النعمان وعمك الملك شركان، من عجوز يقال لها: ذات الدواهي، فإن أعطاك الله النصر، لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار من الكفار، وإياك من مكر العجوز، وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان؛ لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان. فقال له ولده: سمعًا وطاعة. ثم هملت عيناه بالدموع، وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان، وصار أمر المملكة للحاجب، فصار يحكم ويأمر وينهي، واستمرَّ على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه، وما زالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد.
هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب، وأما ما كان من أمر «كان ما كان»، فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب، وكذلك ابنة عمه «قضى فكان»، وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل، فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي، فيخدمه بالليل، وإذا أصبح الصباح، يخرج هو وبنت عمه على عادتهما. وطالت بضوء المكان التوجُّعات، فبكى وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره، وضع رأسه على الوسادة ونام، فرأى في منامه قائلًا يقول له: أَبْشِرْ فإنَّ ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد. فانتبه من منامه مسرورًا، ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات، فأصاب أهل بغداد لذلك مصاب عظيم وبكى عليه الرضيع والعظيم، ومضى عليه الزمان كأنه ما كان، وتغيَّرَ حال «كان ما كان»، وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وعياله في بيت على حدة؛ فلما رأت أم «كان ما كان» ذلك، صارت في أذل الأحوال، ثم قالت: لا بد لي من قصد الحاجب الكبير، وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير. فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطانًا، فوجدته جالسًا على فراشه، فدخلت على زوجته نزهة الزمان وقالت: إن الميت ما له صاحب، فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام، ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام، قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنَّا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال، والآن انقلب علينا الزمان، وقصَدَنا الدهرُ بالعدوان، وأتيتُ إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان؛ لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء البنات. ثم أنشدت هذه الأبيات:
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام، تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه «كان ما كان»، فقرَّبتها وأقبلت عليها وقالت: أنا الآن غنية وأنت فقيرة، فوالله ما تركنا افتقارك إلا خوفًا من انكسار قلبك، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة، مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك؛ فبيتنا بيتك ولك ما لنا وعليك ما علينا. ثم خلعت عليها ثيابًا فاخرة، وأفردت لها مكانًا في القصر ملاصقًا لمقصورتها، وأقامت عندهم في عيشة طيبة هي وولدها «كان ما كان»، وخلعت عليه ثياب الملوك، وأفردَتْ لهما جواري برسم خدمتهما. ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة، ذكرت لزوجها حديثَ زوجة أخيها ضوء المكان، فدمعت عيناه وقال: إن شئتِ أن تنظري الدنيا بعدك، فانظريها بعد غيرك، فأكرمي مثواها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.