فلما كانت الليلة ٢١٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك أرمانوس اتفق مع ابنته على هذا الكلام، وأضمر هذا الرأي، ولما أقبل الليل قامت الملكة بدور من دست المملكة إلى القصر، ودخلت المكان الذي هو مُعَدٌّ لها، فرأت الشمع موقدًا والسيدة حياة النفوس جالسة، فتذكرت زوجها وما جرى بينهما في تلك المدة اليسيرة؛ فبكت ووالت الزفرات، وأنشدت هذه الأبيات:
فلما فرغت من إنشادها أرادت أن تقوم إلى الصلاة، وإذا بحياة النفوس تعلَّقت بذيلها، وقالت لها: يا سيدي، أما تستحي من والدي، وما فعل معك من الجميل، وأنت تتركني إلى هذا الوقت؟ فلما سمعت منها ذلك جلست في مكانها، وقالت لها: يا حبيبتي، ما الذي تقولينه؟ قالت: الذي أقوله أني ما رأيت أحدًا معجبًا بنفسه مثلك، فهل كل مَن كان مليحًا يعجب بحُسْنه هكذا؟ ولكن أنا ما قلت هذا الكلام لأجل أن أرغِّبك فيَّ، وإنما قلته خيفةً عليك من الملك أرمانوس، فإنه أضمر إن لم تدخل بي في هذه الليلة وتُزِلْ بكارتي، أنه ينزعك من المملكة في غد، ويسفِّرك من بلاده، وربما يزداد به الغيظ فيقتلك، وأنا يا سيدي رحمتك ونصحتك، والرأي رأيك. فلما سمعت الملكة بدور منها ذلك الكلام أطرقت برأسها إلى الأرض، وتحيَّرت في أمرها، ثم قالت في نفسها: إن خالفته هلكت، وإن أطعته افتضحت، ولكن أنا في هذه الساعة ملكة على جزائر الأبنوس كلها، وهي تحت حكمي، وما أجتمع أنا وقمر الزمان إلا في هذا المكان؛ لأنه ليس له طريق إلى بلاده إلا من جزائر الأبنوس، وقد فوضت أمري إلى الله، فهو نِعْمَ المدبِّر. ثم إن الملكة بدور قالت لحياة النفوس: يا حبيبتي، إن تركك وامتناعي عنك بالرغم عني. وحكت لها ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى، وأرتها نفسها، وقالت لها: سألتك بالله أن تُخفِي أمري وتكتمي سري حتى يجمعني الله بمحبوبي قمر الزمان، وبعد ذلك يكون ما يكون. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.