فلما كانت الليلة ٢١٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما فتح ذلك الطابق وجد بابًا فنزل فيه، فلقي قاعة قديمة من عهد ثمود وعاد، وتلك القاعة واسعة، وهي مملوءة ذهبًا أحمر، فقال في نفسه: لقد ذهب التعب، وجاء الفرح والسرور. ثم إن قمر الزمان طلع من المكان إلى ظاهر البستان، وردَّ الطابق كما كان، ورجع إلى البستان وتحويل الماء على الأشجار، ولم يزل كذلك إلى آخر النهار، فجاء الخولي وقال: يا ولدي، أَبْشِر برجوعك إلى الأوطان؛ فإن التجار تجهَّزوا للسفر، والمركب بعد ثلاثة أيام مسافرة إلى مدينة الأبنوس، وهي أول مدينة من مدائن المسلمين، فإذا وصلتَ إليها تسافر في البر ستة أشهر حتى تصل إلى جزائر خالدان والملك شهرمان. ففرح قمر الزمان بذلك، ثم قبَّل يد الخولي وقال له: يا والدي، كما بشَّرتني فأنا أبشِّرك بشارة. وأخبره بأمر القاعة؛ ففرح الخولي وقال: يا ولدي، أنا لي في هذا البستان ثمانون عامًا ما وقفت على شيء، وأنت لك عندي دون السنة وقد رأيت هذا الأمر؛ فهو رزقك وسبب زوال عكسك، ومعين لك على وصولك إلى أهلك، واجتماع شملك بمن تحب. فقال قمر الزمان: لا بد من القسمة بيني وبينك.
ثم أخذ الخولي، ودخل به إلى تلك القاعة وأراه الذهب، وكان في عشرين خابية؛ فأخذ عشرة والخولي عشرة، فقال له الخولي: يا ولدي، عبِّ لك أمطارًا من الزيتون العصافيري الذي في هذا البستان، فإنه معدوم في غير بلادنا، وتحمله التجار إلى جميع البلاد، واجعل الذهب في الأمطار والزيتون فوق الذهب، ثم سدَّها وخذها في المركب. فقام قمر الزمان من وقته وساعته، وعبَّى خمسين مطرًا، ووضع الذهب فيها، وسد عليه بعد أن جعل الزيتون فوق الذهب، وحطَّ الفص معه في مطر، وجلس هو والخولي يتحدَّثان، وأيقن بجمع شمله وقربه من أهله، وقال في نفسه: إذا وصلت إلى جزيرة الأبنوس أسافر منها إلى بلاد أبي، وأسأل عن محبوبتي بدور، فيا ترى هل رجعت إلى بلادها، أم سافرت إلى بلاد أبي، أم حدث لها حادث في الطريق؟ ثم جلس قمر الزمان ينتظر انقضاء الأيام، وحكى للخولي حكاية الطيور وما وقع بينها، فتعجب الخولي من ذلك، ثم ناما إلى الصباح، فأصبح الخولي ضعيفًا، واستمر على ضعفه يومين، وفي ثالث يوم اشتد به الضعف حتى يئسوا من حياته؛ فحزن قمر الزمان على الخولي. فبينما هو كذلك، وإذا بالريس والبحرية قد أقبلوا وسألوا عن الخولي، فأخبرهم بضعفه فقالوا: أين الشاب الذي يريد السفر معنا إلى جزيرة الأبنوس؟ فقال لهم قمر الزمان: هو المملوك الذي بين أيديكم. ثم أمرهم بتحويل الأمطار إلى المركب، فنقلوها إلى المركب، وقالوا لقمر الزمان: أسرع فإن الريح قد طاب. فقال لهم: سمعًا وطاعة. ثم نقل زوادته إلى المركب، ورجع إلى الخولي يودعه فوجده في النزع؛ فجلس عند رأسه حتى مات، وغمَّضه وجهَّزه وواراه في التراب، ثم توجَّه إلى المركب فوجدها أرخت القلوع وسارت، ولم تزل تشق البحر حتى غابت عن عينه، فصار قمر الزمان مدهوشًا حيران، ثم رجع إلى البستان وهو مهموم مغموم، وحثا التراب على رأسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.